من نحن وكيف يجب أن نكون؟ – بقلم أحمد برقاوي

template-for-news

استخدمت ضمير الرفع المنفصل «نحن»، لأشير إلينا نحن العرب. أجل من نحن؟، وكيف يجب واقعياً أن نكون؟. لقد وصُفنا مرة بالدول النامية، ومرة بالدول المتخلفة، ومرة بدول العالم الثالث، ومرة بدول عدم الانحياز، ووصفت مصر وسوريا والعراق والجزائر واليمن الجنوبي، بدول طريق التطور اللارأسمالي، ما كان لهذه المفاهيم أن تحضر في الخطاب السياسي أو الأيديولوجي أو الاقتصادي، لو لم تكن المراكز بالأصل آخذة بعين الاعتبار دور هذه الدول ومكانتها.

فالدول النامية، حملت معنى مضمراً، ألا وهو أنها قادرة على تحقيق التنمية أو النمو الاقتصادي أو التحديث، إنها سائرة في طريق ينقلها إلى مستوى أرقى في التطور التاريخي.

فيما عنى بمفهوم التخلف، تخلف هذه الدول من العالم مقارنة بالعالم المتقدم، الصناعي التقني العلمي. وصار لزاماً عليها طرح السبيل لتجاوز تخلفها عبر الخيار الاقتصادي. وحمل مفهوم دول عدم الانحياز، مضمون الاستقلال من القطبين، لتكون قوة ثالثة، إلى جانب القوتين الكبيرتين آنذاك، قبل انهيار الإمبراطورية السوفييتية وملحقاتها، أما دول طريق التطور اللارأسمالي، فقد ابتكره منظرو الماركسية، للدلالة على تلك الدول التي آثرت التطور بطريق الاشتراكية، ولكنها في بداية إنجازها. وهذه الأوصاف جميعها صارت بالية، وفي خبر كان.

ولكنا بهذا الأوصاف، لم نكن بلداناً هامشية في حركة التاريخ المعاصرة، حتى خطابها كان خطاباً يسعى لتغيير العالم، ومفعماً بمفاهيم: الثورة، التحرر، الاستقلال، التنمية، القومية، هذه المفاهيم التي جاءت نقيضاً، للاستعمار الجديد، التبعية، النهب، الاستغلال.. إلخ.

كانت الآمال معقودة على الجانب الثوري لتغيير العالم، وتحقيق التحرر بالمعنى الشامل للكلمة. كان يبدو أن التاريخ يجري مجرى الآمال نفسها. ولكن التاريخ إما أنه غير مجراه، أو أنه جرى بطريقته التي لم نكن على علم بها. زالت المنظومة الاشتراكية الأوروبية، والصين شقت طريقها الخاص بها، متخلية عن دورها العالمي في التحرر، وفشلت حركات التحرر. وبرزت أميركا قطباً وحيداً في العالم، وتولدت مفاهيم جديدة، ليفسر حركة العالم، كالقرية العالمية، العولمة، وعالم ثورة المعلومات.

المراكز التقليدية تعيد بناء نفسها من جديد، أوروبا الساعية إلى التوحيد، اليابان، روسيا، ثم ظهر العملاق الصيني الذي يرتب لاحتلال مكانة في العالم في وقت قريب. فيما المركز الأميركي يستغل هذه المرحلة الانتقالية لترتيب العالم على هواه.

بكلمة واحدة، إن الانقلاب الحاصل الآن في العالم، هو موت الأطراف، وتحولها إلى جسد ينهش به المركز دون أي شعور منه بالألم. ولو دققنا في انقلاب كهذا من زاوية فلسفة التاريخ، لما خالجنا الشك بأن عناصر القوة المجتمعة في إمبراطوريات العالم، وخاصة الأميركية، هي عمياء إلى الحد الذي لم تعد تحمل مشروعاً إنسانياً حقيقياً أو مبرراً زائفاً للهيمنة. هذه القوة هي اقتصادية، علمية، تقنية، سكانية، توجهها أيديولوجيا ذرائعية بامتياز. وليست العولمة في حقيقتها إلا تحول المراكز بنسب مختلفة، من حيث قوة الفعل إلى فاعلين وحيدين في العالم على المستوى الاقتصادي والسياسي والثقافي والأمني والإعلامي.

المشكلة: أن المراكز كانت دائماً فاعلة، لكنها لم تلغِ فاعلية الأطراف.

أما الآن، ففاعلية المراكز مطلقة، كما تشهد على ذلك التجارة العالمية، والصناعية وصناعة المعلومات، والتأثير الثقافي، ونمط الحياة، والتدخل المباشر بسلوك النخب السياسية في الهوامش.

ما الذي جعلنا هامشيين إلى هذا الحد؟، في الوقت الذي نعلم فيه بأن القوة كانت، وما زالت، هي المحرك الأساسي لتاريخ البشرية، القوة بمعناها الشامل، العسكري والتقني والاقتصادي والثقافي والمجتمعي، أي ما الأسباب التي حولتنا إلى هامشيين؟.

نحن العرب، لم نجعل من التنمية المستقلة هدفاً أساسياً من أهدافنا على المستوى الاقتصادي والسياسي والثقافي والعلمي – التقني.

بل انتصر نمط الحياة التابعة. وهنا بالذات، تغيرت العلاقة بين مفهومي الاستقلال والتبعية، ولهذا، تحولت الحاجة المتولدة رأسمالياً دون توقف، إلى عنصر انقلاب عالمي في علاقة الناس بالسلعة. ولما كانت البلدان وطيئة التقدم، قد وقعت في شرك في مرحلة تعميم السلعة عالمياً، صار لزاماً عليها أن تلبي هذه الحاجات، عبر أعلى درجات التبعية واستنزاف طاقاتها الاقتصادية، وبخاصة تلك الدول ذات الدخول الضعيفة.

لسنا هنا أمام حالة اقتصادية فقط، بل وأمام حالة ثقافية أيضاً. إذ إن تعميم نمط الحياة في أعلى درجاتها، قد ولّدت الثقافة المطابقة لمثل هذا النمط، وها نحن الآن نستفيق على السؤال مرة أخرى، من نحن؟، من أجل أن نسأل: كيف يجب أن نكون؟، التنمية بمعناها الشامل، تنمية الإنسان أولاً، ومن ثم التنمية العلمية والتقنية والاقتصادية والسياسية والثقافية. العودة إلى الوراء مستحيلة، والوقوف في المكان نفسه مستحيل، فليس أمامنا إلا توظيف كل ما هو قوي لدينا، للإجابة عن السؤال، كيف يجب أن نكون؟.

جريدة البيان