هدى بركات: التفرغ ضرورة قصوى للمبدعين العرب – حوار نجاة الفارس

أكدت الروائية اللبنانية هدى بركات الفائزة بالجائزة العالمية للرواية العربية، البوكر العربية 2019، أنه لا توجد طريقة واحدة لاختيار الأبطال فكل رواية تفرض شخوصها، ومناخها ولغتها، وحضورها، ولفتت إلى أنها تشعر بسعادة غامرة عندما تترجم رواية لها، فالترجمة بالنسبة للكاتب حياة جديدة، حيث يٌعرف في ثقافات مختلفة، وعبرت عن حزنها؛ لأنها كتبت عدة روايات عبر منح أجنبية، وأكدت أن تخصيص مشروعات للتفرغ ضرورة قصوى للكتّاب العرب. 

 وأوضحت في حوار ل«الخليج» أن الأدب العربي الآن يصنف بين الآداب العالمية، وأنها تأمل بنهضة جديدة لشباب عرب يتابعون ويناقشون ويكتبون.

* كيف تختارين أبطال أعمالك الروائية؟

– كل رواية لها حكاية، وتبدأ من مكان ما ومن هاجس مختلف، وصوت مختلف ومن سؤال ما، ولو عددت رواياتي منذ البدء أستطيع أن أشرح كيف تكونت كل رواية، لا توجد طريقة واحدة لاختيار الأبطال، فكل رواية تفرض شخوصها، وحضورها عليّ كذلك، يجب أن يتجذر الموضوع وتتجذر الفكرة أو الشخصية، وأميل دوماً للبدء من الشخصية أكثر من الاهتمام بالحدث، كأني أسمع أصواتاً تريد أن تروي لي حكايتها.

* فزت بجائزة سلطان العويس الأدبية 2017، وبجائزة نجيب محفوظ للرواية وغير ذلك من الجوائز العربية ما أثر ذلك بنفسك؟ 

– نعم فزت بالعديد من الجوائز، بعضها كانت من الغرب، لكن صدقاً الجوائز العربية تهمني أكثر، لأني أكتب باللغة العربية وسأستمر أكتب بها، فالجائزة العربية لها صدى مختلف بالنسبة لي، فهي تجعلني مقروءة أكثر من القارئ العربي الذي يعد هدفاً لي، وعلى الرغم من الترجمات التي تضيف لي معنوياً ومادياً أحياناً، لكن الجائزة عندما تأتي من بلد عربي تؤثر بي كثيراً؛ لأني أعيش في الغربة، وأعتقد أن الجائزة تمنع دخولي في خانة النسيان، فالجائزة نوع من الاعتراف، وهي تفرحني جداً.

امتداد 

* ترجمت رواياتك إلى لغات عدة، ماذا يضيف لك ذلك كروائية؟ 

– أشعر أن لي أكثر من حياة في أكثر من لغة، وكلما دعيت إلى بلد ما بمناسبة صدور أحد أعمالي المترجمة؛ فإني أكتشف كم أن الناس يتشابهون، أنت تذهبين إلى بلاد ربما لم تسمعين بوجودها وبلغة لم تستهدفيها بشكل خاص، ولكن حين تلتقين مع القرّاء في هذه اللغة، عبر الكتاب المترجم، تكتشفين كأن لك حياة أخرى، أو كأنك تملكين قارئاً إضافياً، فسحة أدبية جديدة، أشعر بفخر أن هذه الترجمة أتت من اللغة العربية، لأننا لفترة طويلة جداً كنا مهملين، ولا ينظر الغرب إلينا إلا لما يتوافر في أدبنا من إثارة، مثل: كيف تتكلم امرأة عربية وكيف تكتب، وكيف تعاني المرأة أو غير المرأة في تلك البلدان، الآن انتهى سوء التفاهم، الآن يقرأ الغرب المؤلفات العربية فعلاً لأنهم يريدون أن يعرفوا كيف نكتب، بدأوا ينظرون إلينا على أساس أننا أدباء بالفعل، وبيننا أسماء كبيرة، الآن الأدب العربي يصنف بين الآداب العالمية، والحمد لله أننا وصلنا إلى هذا، فكل ترجمة جديدة كأنها رد اعتبار جديد، وكأن اللغة العربية تستعيد ذلك الألق.

* أين يكمن سر كتابة رواية ناجحة برأيك، خاصة وأن مسيرتك حافلة بأعمال أدبية نالت عدة جوائز؟

– ربما أنا محظوظة نوعاً ما، ولكن صدقاً أتعب على نصوصي كثيراً ويمر زمن طويل بين كتابة رواية وأخرى، أجتهد كثيراً وأحترم القارئ جداً ولكن هذا لا يضمن النجاح، وهنا نتساءل ما هو مقياس النجاح هل هو الانتشار، أم أرقام المبيعات لا أعتقد، أم هو تقدير النقاد من دون الوصول إلى الجماهير التي تقرأ، لا أعتقد، لذلك فإن نجاح الكتاب يبقى سراً، نحن نفعل ما علينا، نحترم عقل القارئ ولا نستسهل، ولا آخذ الأمور ببساطة وقلة مسؤولية، بمعنى أني أتعب على عملي وربما يكون هذا أحد الأسباب 

ثروة لغوية 

* تصرين على الكتابة باللغة العربية وترفضين كتابة الأدب بلغة أخرى، ما سبب ذلك ؟

– جميع رواياتي ومسرحياتي أكتبها باللغة العربية، لأني لو أردت كتابتها باللغة الفرنسية أو أي لغة أجنبية أخرى لن أكتب نفس النص، سيكون نصاً متغيراً، أما الأبحاث أو المقالات الصحفية فأكتبها بالفرنسية إذا طلب مني ذلك. 

* تمتلكين ثروة لغوية جميلة كيف تشكل لديك هذا المخزون اللغوي؟

– تعلمت العربية حين كنت شابة في العشرينات، لأن أيام دراستي بمدارس خاصة في لبنان كانت تركز كثيراً على اللغات الأجنبية، وكان درس اللغة العربية منفراً للطلبة، وربما لذلك درست الدراسات العليا باللغة الفرنسية، ولكن في الجامعة، اكتشفت النهضة الجديدة للغة العربية، وكان ذلك في السبعينات من القرن الماضي، وكانت بيروت مكاناً للقاء جميع الموهوبين من حداثيين ومثقفين يعرفون ما الذي يجري في جميع بلدان العالم، ويقرأون للآخرين، اكتشفت أن هذا عالم لم أكن أعرفه وبدأت أتعلم مهارات اللغة العربية بنفسي، وبجهد كبير، ووقعت في غرامها، وحينها أخذت عهداً على نفسي أن لا أكتب أدباً بغير العربية، وما زلت حتى الآن أكتشف روائع هذه اللغة، وجمالياتها، وثراءها، وهذا الثراء لا يعني أننا لا نجددها، نحن نجدد اللغة العربية، الأدب مسموح له أن يجدد كيف ما أراد، ولكن شرط أن يعرف ما هو الأصل لكي يشتغل على الفرع، وأحيانًا أحزن لأن الشباب العرب يخطؤون كثيراً في اللغة العربية، وباتوا يهملونها، يتكلمون الإنجليزية في أكثر الأوقات ويقرأون بلغات أجنبية، حتى الكتّاب العرب يقرأون بلغات أجنبية، وهذا محزن لأن اللغة لا تتقادم مع الزمن، إذا نحن اهتممنا بلغتنا فنحن من نجددها، ونجعلها عصرية، ويبدو أن من يسكن في الغرب يتعلق أكثر باللغة العربية، ومن يقرأ بلغات أجنبية يتعلق كثيراً باللغة العربية.

تحديات 

* ما أهم التحديات التي تواجهك كروائية وما طموحاتك المستقبلية؟

– أهم التحديات هو الوقت فأنا مضطرة كي أعمل، لست ثرية بما فيه الكفاية حتى أتفرغ للأدب قراءة وكتابة وهذا يحزنني لأني بدأت أشعر أن الوقت يمر بسرعة، ولدي مشاريع كثيرة في رأسي، لكن العمل وهموم العيش لا تعطيني الوقت الذي أتمناه وأرغب به، والوقت هو الحرية، البذخ في الحياة هو امتلاك الوقت من يملكه.. يملك كل شيء، وأتمنى أن تلتفت المؤسسات العربية أكثر من ذلك إلى مشاريع تفرغ ومشاريع استضافات أدبية، لقد كتبت رواياتي الأخيرة بمنح كتابية أجنبية وأنا أكتب بالعربية، وهذا يحز في نفسي.

* إلى أي مدى نستطيع أن نعول على الرواية في خلق الوعي لدى المجتمع؟ 

–  مع الجيل الجديد بدأت آمل فعلاً بأن الرواية والأدب والفن بشكل عام يستطيع أن يغير، وربما لم تكن هذه أفكاري منذ عشر سنوات ولكن ما يحملني على التفاؤل هو أنني كاتبة روائية من جيل معين وجمهوري من صغار السن من الشباب يحبونني ويكتبون لي، هذا يعني أنهم يقرأون ويهتمون بالإصدارات الجديدة وبالتناول المعاصر لقضايا عربية، ولقضايا الكون، أثق أن هناك نهضة جديدة لشباب عرب يتابعون ويناقشون ويكتبون.

بطاقة تعريف

 هدى بركات روائية لبنانية من مواليد 1952عملت في التدريس والصحافة وتعيش حالياً في باريس، أصدرت عدة روايات ومسرحيتين ومجموعة قصصية إضافة إلى كتاب يوميات، شاركت في كتب جماعية باللغة الفرنسية، ترجمت أعمالها إلى العديد من اللغات، منحتها الدولة الفرنسية وسامين رفيعين، من أعمالها الروائية «حجر الضحك 1990»،«أهل الهوى» 1993، و«حارث المياه2000» التي فازت بجائزة نجيب محفوظ، و«سيدي وحبيبي»2004، وصلت روايتها الخامسة «ملكوت هذه الأرض» 2012 إلى القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية عام 2013، وترشحت هدى بركات إلى القائمة القصيرة لجائزة مان بوكر العامة لعام 2015، التي كانت تمنح «آنذاك» مرة كل سنتين عن مجمل أعمال الكاتب.

جريدة الخليج