«كورونا» وفرصة النهوض – بقلم صفية الشحي

صفية الشحي

يبدو العالم بعيداً عن متناول أيدينا في هذه الأزمة التي اخترقت دفاعات الكثير من المجتمعات في شرق الأرض وغربها، ولا تزال الافتراضات حول أسباب وباء كورونا تراوح بين عادات الشعوب في الأكل ونظرية المؤامرة الكونية، وتأتي الكثير من عناوين الكتب والأفلام لتثبت أن لا شيء مما نتابعه من مقاعدنا المريحة غير قابل للحدوث، كما أن لا أحد بعيداً عن الأزمة في مجتمع دولي متواصل أكثر من ذي قبل. وقد كشفت هذه الفوضى عن هشاشتنا كبشر أمام أتفه الكائنات التي تحمل أسراراً أكبر من أي اكتشاف علمي قمنا به على مر العقود.
البارانويا العنصرية، عدم الاستقرار الداخلي وفقدان الثقة بين بعض الشعوب وحكوماتها هي بعض المظاهر التي تفشت بمجرد انتقال المرض من دولة إلى أخرى، وصار الفيروس يرمز إلى أشياء كثيرة، اجتماعية وفلسفية واقتصادية، إلا أنه من جهة أخرى يمكن أن يكون «كورونا» «فرصة للتحرر والديمقراطية ومناهضة الاستهلاك» كما يشير سلافوي جيجك في مقالته الأخيرة، ويبدو أنها الضارة التي جلبت منافع كثيرة للناس، فأعادتهم إلى مساحات منسية في منازلهم وبين أفراد أسرهم، وأعادت لهم بهجة ولدت من قلب التجربة الأليمة في الفقد والهلع والتخبط والعشوائية. كما أنها منحتهم فرصة للتحرر من الزيف الذي ظلت وسائل التواصل الاجتماعي تصدره إلى عقولهم على مر السنوات، وكشفت لهم حقائق كثيرة حول الأشخاص والمؤسسات، والأهم من ذلك فرضت عليهم وقفة لإعادة النظر في أولوياتهم الواقعة تحت تأثير سلطة الإعلان في الأحوال الطبيعية.
وكذلك عجل هذا الوباء في إنجاز مشاريع مستقبلية على مستوى الحكومات، تتضمن العمل عن بعد والتعليم عن بعد وممارسة الأنشطة الاقتصادية من خلال منصات افتراضية متكاملة، وقد تمثل دولة الإمارات العربية المتحدة فرصة مثالية في هذه الفترة لجهة استقطاب العقول والاستثمارات لخوض تجربة العمل والابتكار من خلال الشاشات الذكية والبرامج المعدة خصيصاً لاستقبال الغد منذ اللحظة.
إن الاستفادة من هذه التجربة على قدر كبير من الأهمية للدول كافة، وذلك لا يتعلق باستشراف المستقبل الاقتصادي وحسب، بل والاستعداد الاستباقي عبر تجهيز البنى التحتية للتعامل مع هذه الأزمات في المستقبل، ودعم مراكز البحوث والدراسات العلمية المتخصصة، والاستثمار في بناء الفرق الطبية والعلمية المجهزة بالمعرفة اللازمة والأدوات إضافة إلى الاستفادة من حلول الذكاء الاصطناعي لاستشراف المستقبل في القطاعات المختلفة وتأثيرها المتبادل.
إن الكوارث الماضية مثل وباء «إيبولا» الذي بدأ تاريخه الحديث في بلدة مالبورغ الألمانية ١٩٧٦، والذي تم استخدامه لاحقاً كسلاح بيولوجي في مناطق أخرى من العالم، هي جرس إنذار للبشرية يتطلب منها التكاتف استعداداً لمواجهة الأصعب، وذلك يحتاج للإيمان بالجهود الحكومية والدولية، والثقة بالمجتمع العلمي وأدواره حتى نحظى بفرصتنا للنهوض.

جريدة الخليج