دبي في رواية – بقلم د. حسن مدن

حسن مدن

استكمالاً لما انتهينا إليه في مقال الأمس، من أن رواية «يوميات روز» للكاتبة الإماراتية ريم الكمالي، تذهب إلى أبعد من أن تحكي وضع المرأة في المرحلة التي تدور فيها أحداثها؛ أي نهاية ستينات القرن الماضي، حيث إنها تسعى لرصد بدايات التحوّل الحديث للمدينة في الإمارات، جاعلة من دبي نموذجاً لذلك، نود الوقوف عند المقولة الشهيرة ذائعة الاستخدام من أن «الرواية ابنة المدينة».

هذه العبارة تنسب إلى الناقد المجري الشهير جورج لوكاش، ولسنا متأكدين تماماً من صحة هذا النسب، لكن ما هو مؤكد أن لوكاش قال: «الرواية ملحمة البرجوازية».

وفي كل الأحوال، فإن المقولة الأخيرة لا يمكن أن ترد دون أن تخطر على أذهاننا المدينة، حيث هي الحاضنة المجتمعية لهذه الطبقة لحظة صعودها، وإزاحتها للبنى التقليدية المعيقة لنموّها، إذا تحدثنا عن المدينة الأوروبية تحديداً، فللشرق خصوصياته في هذا المجال.
ولأن ريم الكمالي توسلت اليوميّات أسلوباً لبناء روايتها، طغى الضجيج الداخلي للبطلة روزة التي كانت تحكي انكساراتها وتندب حظها العاثر وتحطم آمالها، وتبوح، أمام نفسها، بمشاعر حب اجتاحتها، لكن هذا الضجيج الداخلي على شدّته، لم يفلح في إخفاء الضجيج الخارجي من حولها، لا في البيت الذي تقيم فيه، وإنما في المدينة الصاعدة من حولها.
غاية الكاتبة إذن لم تكن أن تصغي فقط لما تبوح به روزة في اليوميات، وإنما أن تحكي دبي المدينة والناس، مختارة مقطعاً زمنياً له مغزاه، فهو كما أشرنا بالأمس، نفسه الذي سبق قيام دولة الاتحاد، وشهد الموجة القومية التحررية العربية التي كانت روزة تطمح لأن تكون قريبة من مدّها بالسفر للدراسة في جامعة دمشق، وهو الحلم الذي لم يتحقق.
كانت دبي يومها، تشق طريق البدايات، الصعبة عادة، نحو التشكل كمدينة حديثة، ومدينة مثل هذه لا يمكن أن تنشأ في ظروف الانغلاق وسدّ النوافذ في وجه تيارات العصر القوية، وسيجد القارئ للرواية تفاصيل عدة تنم عن هذا المخاض، حيث كان على إرادة التغيير أن تتغلب على المعوقات.
تقول ريم الكمالي إن من قدح شرارة فكرة روايتها هو الأديب المخضرم وأحد رواد الحركة الأدبية الحديثة في الإمارات عبد الحميد أحمد، الذي أبدى لها مرة استغرابه من عدم التفات الروائيين الشباب في الإمارات، إلى نشوء وتطوّر مدينة مثل دبي في أعمالهم، وهذا ما سعت الكمالي إلى تناوله في «يوميات روز»، وهذا بالذات ما يجب الالتفاف إليه في موضوع وبنية الرواية، وسنظل نتطلع إلى التفاتات أوسع نحو تحوّلات المدينة في الإمارات، والخليج عامة، سواء من ريم نفسها أو من نظرائها من المبدعين والمبدعات الشباب.