خميسيات – بقلم ناصر الظاهري

ناصر_الظاهري

ما تضحكني إلا الحرمة حينما تظهر لها نشرة الأخبار في الراديو أو التلفزيون فجأة وهي تقلّب القنوات، فتضجر، وتغيّر الموجة بسرعة، وكأنها ارتكبت خطأً، خاصة إذا كان صوت المذيع شغل «هنا.. صوت فلسطين»، أو من تلك الوجوه الرمادية التي تجلب الكآبة، ولا تبشر بخير، ولا تعرف إلا المصائب، ونظريات المؤامرة، وأن السبب في تأخرنا الاستعمار البغيض، ما ترتاح تلك المرأة، وتهدأ نفسيتها قليلاً إلا حين يظهر لها «وليد توفيق»، وهو يزف لها خبر «اتمخطري كدا بالراحة»، ثوان، ثم تستقر على إذاعة في الـ «اف. ام» تنثر عبير الأغاني التي تطرب الخاطر، بعيداً عن موجز الأنباء.
ـ ماذا جرى للأغاني العربية بشكل عام؟ هناك نوع من الأغاني لم تعهده الأذن العربية لأنها تحمل معها ظاهرة السب، وتمني الموت للحبيب، والدعوة عليه بأن تحلّ عليه كوارث الدنيا أو يصيبه إفلاس أو يُبتلى بمرض عضال، لا أعرف كيف يُلوى عنق الشعر، ويطبق على رقبة القافية، وتتحول الكلمات الجميلة لتصبح سباباً ودعوات شر، زمان كنا نسمع مثل هذه الأشياء في الأغاني الشعبية المنحطّة التي تخرج من الأماكن الموبوءة، والمطربين ذوي الأصوات التي تفحّ بالتبغ، والمشروبات العطرية «بو قرون»، وهم بعيدون عن الإيقاع، والعزف المنفرد الجميل والكلمات المهذبة، اليوم صارت أغاني السباب والشتم والدعوة على الحبيب بالموت أو تسقط به طيّارة أو تمسكه كهرباء ذات فولت عالي التردد، يتغنى بها مطربون ومطربات لا توحي أشكالهم المتبرجة، وملابسهم الناعمة إلا أنهم من فئة راقية ومهذبة وعلى درجة عالية من التعليم والثقافة، وكلامهم في الحياة «كلام نواعم»!
ـ «شفتوا.. بعد سنتين صار كوفيد صديقاً» اليوم الناس يتعاملون معه ليس بتلك العدوانية والنفور، وذلك الحزم الأوليّ، صار جزءاً من حياتهم ومفردات يومياتهم، غريب هذا الإنسان كل شيء لديه قابل للتدجين والاستئناس، وكل عدو يمكن أن يحوله مع الوقت إلى صديق، ما عدا نفسه الجامحة، والمنعتقة، قليل منهم قادر أن يلجمها، ويقودها من طرق الشرور إلى طريق الخيرات!
ـ أسوأ الأصدقاء الذي يتحوّل من خانة الصديق إلى خانة العدو فجأة، من دون أن يمر بذلك البرزخ من الأسئلة والتأمل والتفكر، ذاك الصديق هو أشرس الأعداء، لأنه مطلع على بئر أسرارك، ويعرف مواجع خاصرتك الضعيفة، ويمكن أن يتمادى في الضرر والشرر بحيث ينكأ جروحاً قديمة لا يعرفها إلا هو وأنت، المشكلة أن قفصك الصدري لا يمكن أن يتقبل أحداً يحلّ محله فيه، فيكون الوزر وزرين، والثقل ثقلين، وخسارة الصديق مرتين؛ مرة فقدت صديقاً، ومرة كسبت عدواً جديداً!

جريدة الاتحاد