القاهرة لا تبوح بأسرارها – بقلم د. حسن مدن

حسن مدن

الكاتب المغربي عبد الكريم غلّاب وضع كتاباً بعنوانٍ نقيض لعنوان هذا المقال، حيث اختار غلّاب أن يكون عنوانه: «القاهرة تبوح بأسرارها»، وفيه يسجل ذكرياته وانطباعاته عن المدينة التي أحبّها، ولعله أقام فيها، في أربعينات القرن العشرين. وهذا الكتاب كان واحداً من عدة كتب وضعها كتّاب مغاربة عن القاهرة، وعن أم الدنيا، مصر، عامة، وجرى تناولها في كتاب صدر قبل سنوات بعنوان: «الهوى المصري في خيال المغاربة» لمؤلفه محمد مشبال.

ومن بين الكتب المغربية التي تناولها المؤلف: «مثل صيفٍ لن يتكرر» لمحمد برادة، في فترة الخمسينات، ورواية «المصري» لمحمد انقار، فترة الستينات وما بعدها، ويوميات رشيد يحياوي «القاهرة الأخرى».

والقاهرة، ومصر عامة، مكان ملهم لأي كاتب يزورها، فما بالك بمن كان محظوظاً وقدّر له العيش فيها، واقترب من ناسها، وتفاصيل حياتها اليومية، ومثل هذا الكتاب عن مصر في أدب المغاربة، يمكن أن تؤلف كتباً، لا كتاباً واحداً فقط عن «مصر في أدب الشوام»، أو في الأدب السوداني الخ.

وفي الأدب الخليجي بالتأكيد هناك أعمال عن مصر، تحضرني منها الآن رواية «شقّة الحرية» لغازي القصيبي التي تحكي حياة عدد من طلبة البحرين الذين قصدوا القاهرة للدراسة في جامعاتها ومعاهدها في ستينات القرن العشرين، ولعلها أولى روايات القصيبي، الشاعر أساساً، ونعلم أن القصيبي أنهى دراسته الجامعية الأولى في القاهرة، فتشرّب الكثير من الروح المصرية، وهو ما نلحظه في روايته هذه التي جرت الكثير من حواراتها باللهجة المصرية.
في عرضٍ قدّمته مجلة «الهلال»، في عددٍ قديم لها، للكتاب المغربي المشار إليه ورد قول يفيد بأنه لا توجد بلاد أو ثقافة استطاعتا أن تتغلغلا في وجدان المغربي وتصوغا وعيه مثلما استطاعت مصر وثقافتها، ونرى أن هذا قول في محلهِ تماماً حين يجري الحديث عن كافة البلدان العربية، لا عن بلد بعينه أو إقليم بعينه، دون أن ينفي ذلك أن روافد الثقافة العربية المختلفة أثرت بعضها بتأثرها وتأثيرها المتبادلين.
أريد أخيراً أن أشرح لماذا حوّرتُ العنوان المستوحى من كتاب عبد الكريم غلاّب فقلت: إن القاهرة لا تبوح بأسرارها، فالحق أنه مهما تراءى للزائر والكاتب، حتى لو كان مصرياً، أن القاهرة باحت له بكل أسرارها، ستظل فيها أسرار عليه أن يسعى إلى كشفها. يقال إن المدن، عامة، لا تبوح بأسرارها دفعة واحدة، وعلينا بلوغ درجة، لا بل درجات من الألفة معها، كي نعرف هذه الأسرار، ورغم ذلك ستظل هناك أسرار عصيّة على بلوغها، خاصة حين يتعلق الأمر بمدينة كالقاهرة.

جريدة الخليج