الوتر الخامس

ريم الكمالي

قبل سنوات دعت مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية، الموسيقي نصير شمة، ليتكلم عن فلسفة الموسيقى، فجلس الموسيقار في مقدمة المسرح وآلة العود بين يديه، وبدأ حديثه الرقراق المنساب، سارداً قصص الأطفال الذين تعلموا العزف على العود في مدرسة بيت العود العربي، والتي أنشأها كأول مدرسة متخصصة لتعليم العود، ومقرها بيت الهراوي الأثري بالقاهرة، وكيف ارتقى السلوك الاجتماعي لهؤلاء الأطفال مع العَزف صُعُداً، مقارباً التفاصيل اليومية، من الطفل العنيف الذي أصبح أكثر تأملاً، والعنيد بميله إلى الهدوء، والمشاكس أو حاد الطبع نحو اللطف… وعن تأثير الأوتار على شخصياتهم، من خلال محاضرته الموسيقية التي امتدت إلى تاريخ الموسيقيين، والنوتة الموسيقية للفيلسوف الطبيب والموسيقي (الكندي) في مخطوطته التي سجل فيها ألحانه، وضعها بهدف تدريس التلاميذ المبتدئين، أو كتمرين يتعلمون منه ضرب العود، وكيف يعد هذا السجل المدون للألحان أقدم وثيقة موسيقية، ليس عند العرب فقط إنما في تاريخ العود… حينها بَادَرْتُه بالسؤال، وبما أن العود بين يديه: هل له أن يعزف لنا الآن لحناً يبلغ من العمر أحد عشر قرناً، لرجل مسلم وعربي من بني كندة بجزيرة العرب ولد في الكوفة وعاش في بغداد، وفي زمن كان السلم الموسيقي يُخَطُ في مخطوطة حسب أوتار العود، ولم تُسجل ألحانه صوتاً لعدم وجود تقنيات التسجيل الحديثة؟

رحب بالسؤال وعَزَفَ للكندي على عُوده، ومن دون مبالغة، كان اللحن كخرير الماء، نقياً دون إغراق، والتوازن بين جملة وأخرى مثالي بلا نزعة ولا تعقيدات، وكأن الكندي عاد ليعلمنا أصول النغم وما كان غائباً عنّا، شيء يشبه السديم أو كما يقال روح الموسيقى… ليصفق الجمهور بحرارة لكليهما، لنصير شمة العازف، وليعقوب بن إسحاق الكندي الغائب بقواعده، والحاضر بأنغامه في تلك الأمسية التي تذكر فيها الناس كيف أضاف الكندي للعود وتراً خامساً، وكيف داوى بالموسيقى صبياً مشلولاً، وكأن أطروحاته الموسيقية العلاجية آفلة عن الجيل الجديد القريب من الآلات الموسيقية الكهربائية الصناعية الصاخبة، البعيد عن الآلات الموسيقية الوترية الحساسة وما تصنعه من تحريكٍ لأوتار القلب.
الوتر الخامس
جريدة البيان