المعزل والطهف.. حجرُنا الماضي – بقلم د. عبد العزيز المسلم

3032020

لا تخلو الأزمان من الأهوال والمحن، فلا سعادة دائمة ولا محنة مستمرة، والتغير ديدن هذه الحياة، فلكل شيء وقت معلوم، وللأفراح والأحزان بداية ونهاية، والناس في امتحان كبير ما داموا في هذه الحياة، وفي التراث الإماراتي حول هذا الموضوع هناك أسماء لها دلالات في المعنى والذاكرة.

من تلك الأسماء «المعزل» و«الطهف»، فالمعزل في التراث الإماراتي هو الحجر الصحي، ويلفظ «مْعَزَلْ» بتسكين أوله وآخره وفتح الحرفين الأوسطين، فقد وعى أجدادنا منذ زمن بعيد إنشاء المعازل أي الحجر الصحي، فأنشأت في منطقة الممزر بين الشارقة ودبي 3 معازل رئيسة هي كالتالي:

معزل «الميدّر»: الميدر أصلها المجدر، أي المصابون بمرض الجدري.
معزل «الميذّم»: الميذم أصلها المجذم، أي المصابون بمرض الجذام.

معزل «المينّن»: المينن أصلها المجنن، أي المصابون بالجنون.

وقد كان أهل الشارقة يعودون مرضاهم من وقت لآخر، عند انحسار ماء البحر (الجزر) الفاصل بينهم وبين المعزل، كما أنهم يحرصون على أن الزائر لذلك المكان يبتعد لمسافة كافية تقيه شر العدوى، أما مهمة رعاية المرضى وتزويدهم بالطعام والشراب والاحتياجات الأخرى فهي مهمة توكل لمن أصيبوا بذات المرض سابقاً (الجدري والجذام، عدا الجنون طبعاً!).

ولا يُعرف بالضبط التأريخ الفعلي لتأسيس تلك المعازل، لكن الرواة يتداولون ذكرها منذ أجيال، فممن التقيناهم من الرواة من مواليد 1928 إلى 1939 قالوا إنهم سمعوا عنها من أجدادهم، أي أنها كانت موجودة في القرن الـ19.

أما الطهف فهو الريح العاتية، وقد مر علينا في الإمارات العربية المتحدة أكثر من طهف، سواء في البر أو البحر، وقد تهدمت البيوت وغرقت السفن ومات من مات وتشرد من تشرد، لكن الناس تعاونوا لمجابهة أهوال الطهف رغم قلة الإمكانات واتكلوا على الله واحتسبوا كل شيء عنده.

إن المآسي والمحن تبيّن معادن الناس، وتكشف عن حقيقة نواياهم، فالخير يظهر في الشدة، والكرم يظهر في وقت العوز، أما الكلام عن ذلك فكثير، ولا يأخذ الناس بقول أحدهم عن نفسه، والأمثال الشعبية في ذلك كثيرة، ومنها «لي ما زارني والديار مْخِيفه لا مرحبا به والديار أمان».
صحيفة الرؤية