منذ ثلاثة عقود ونيّف، ظهرت موهبة جاسم ربيع العوضي في التقاط الصور، مدعومة بإرث عريق كونه ينحدر من عائلة متخصصة في التصوير، ما أهّله ليصبح أحد أهم روّاد هذا المجال في دولة الإمارات. وبعد مسيرة طويلة تشكّلت لديه عبر آلاف الصور، قرر جمع بعض منها في كتاب «بين الظل والنور»، الذي أطلقه مركز أبوظبي للغة العربية.
وعلى الرغم من أن تقنيات التصوير اللوني باتت أكثر دقة، وتمكِّن المصورين من التقاط الألوان بنقاء، إلا أن العوضي اختار أن يعتمد ثنائية الأبيض والأسود في «بين الظل والنور»، فالصورة لديه ليست مجرد فن وتقنيات حديثة فقط، إنما أسلوب حياة تحفّزه عدسة تقبض على اللحظة بأهداب الإبداع، والفطنة، والإحساس المختلف، ليعبر كتاب العوضي المسافة بين المرئي والسردي بهدوء وسلاسة.
ومضى العوضي في تجهيز صور كتابه، ليعكس جماليات الظل والنور، مكتشفاً أبعاداً جديدة للتصوير من خلال الربط بينه وبين بعض التقنيات، ليخلق حالة جديدة في تشكيل بنية الصورة، تعكس إحساسه العاطفي، ورؤيته الفكرية في آنٍ معاً.
ويتزين غلاف الكتاب، الذي يقع في 192 صفحة، بشجن التراث، وسحر البحر، واتساع الفضاء ليشير إلى المرحلة التي يعيشها العوضي والمتمثلة في تصوير الأماكن المهجورة، في إطار يعيد إليها الحياة، كتحيةٍ لمن عاش فيها من الأجداد، مستحضراً الذكريات، ومؤمناً بأن طاقة الحياة لا تزال حاضرة في الأماكن العريقة.
وذهب إلى تأكيد ذلك، الفنان الأكاديمي الدكتور طلال معلا، إذ قال في تقديمه لكتاب العوضي: «ليست الصورة في قاموس العوضي ما يُلتقط وحسب، بل ما يتكشّف. ليست ما يُظهر، بل ما يُوازن بين الحضور والغياب، بين الجسد وظلّه، بين الزمان وما يخلف من آثار».
طرق العوضي خلال سنوات تجربته في التصوير، العديد من مدارس التصوير والتكوين الفوتوغرافي، متابعاً أعمال كبار فناني التصوير في العالم، لكنه خاض تحديه في عالم الصورة تبعاً لإلهامه، وما يريد تقديمه كمنجز، فتفرّدت أعماله التي عرضها في معارض التصوير، وكانت الكلمة الفصل فيها لعينه الثاقبة، التي التقطت عشرات آلاف الصور، شارك في كثير منها بأكثر من 30 معرضاً فردياً وجماعياً داخل دولة الإمارات وخارجها، كرّسته قامة فنية، ورائداً إماراتياً، حتى أنه المصوّر الوحيد، الذي تقلّد وسام الشرف من الدرجة الأولى للتميز في الخدمة بالعام 2002، نظراً لفرادة أعماله، وابتكاراته في عالم الصورة.
يقول العوضي: «كانت نظرتي إلى فن التصوير الفوتوغرافي مختلفة عن الإطار التقليدي، وتتمثّل في أن يكون الفكر حاملاً للصورة، وأن يبتعد عن إنتاج الصورة كانعكاس مطابق للواقع، فسعيت منذ البداية إلى أن تقترن الصورة بالفكرة، لإبراز الهدف من التقاطها، لهذا ابتعدت عن التصوير الكلاسيكي للإنسان، والطبيعة، والمكان».
جريدة الخليج