الكاتبة الحائزة على البوكر درس في الكتابة الملتزمة بقضايا الإنسان.
نيودلهي – تؤمن المؤلفة الهندية والناشطة في مجال حقوق المرأة بانو مشتاق التي نالت في مايو الفائت جائزة بوكر الأدبية الدولية، بضرورة استلهام الكاتب الواقع ولو كان شديد العنف، ومن هذا المنطلق، لم تتردد في جعل إحدى أقصوصات مجموعتها الفائزة بالمكافأة المرموقة تتناول محاولة انتحار حرقا، مشابهة لتلك التي أقدمت عليها بنفسها.
تقول بانو مشتاق البالغة 77 عاما في مقابلة معها “لا يمكن للمرء أن يكتب لمجرد وصف وردة. لا يمكنه أن يكتفي بالقول إن لها هذا العطر، وهذه البتلات، وذاك اللون. عليه أيضا أن يكتب عن الأشواك. إنها مسؤوليته وعليه أن يفعلها.”

مسؤولية الكاتب
تتناول مجموعتها القصصية الفائزة بجائزة بوكر وتحمل عنوان “مصباح القلب” (Heart Lamp)، في أقصوصاتها الاثنتي عشرة القوية، جوانب من حياة نساء مسلمات يعانين توترات أسرية ومجتمعية، تحمل بعضهن العنف المنزلي، أو ابتليَت أخريات بوفاة أطفالهن، أو تعرضن للخيانة من أزواجهن.
وكانت هذه القصص المنشورة في الأصل بين عامي 1990 و2023، أول عمل أدبي بالكانادية، وهي اللغة المحكية في جنوب الهند خصوصا، يترجَم إلى الإنجليزية ويتوج بالجائزة، التي فازت بها مناصفة مع المؤلفة المترجمة ديبا بهاستي. ويعد الكتاب أول مجموعة قصصية تفوز بالجائزة التي تمنح لأفضل رواية مترجمة إلى اللغة الإنجليزية.
ورغم غوصها في الواقع الصعب للفتيات والنساء المسلمات جنوب الهند فإن القصص لا تخلو من روح الدعابة اللطيفة، وتشهد على السنوات التي قضتها مشتاق بصفتها صحافية ومحامية، حيث دافعت بلا كلل عن حقوق المرأة واحتجت على جميع أشكال الاضطهاد الطبقي والديني. تؤرخ حكايات “مصباح القلب” للنساء في المجتمعات الأبوية. وقد تم اختيارها وترجمتها من بين حوالي 50 قصة في ست مجموعات كتبتها مشتاق على مدى 30 عاما.
وكتبت القصص بأسلوب ذكي وحيوي وعامي مؤثر ومنتقد في نفس الوقت، وفي شخصياتها، نجد الأطفال المتألقين، والجدات الجريئات والمولفيس المهرج والإخوة “البلطجية”، والأزواج التعساء في الكثير من الأحيان، والأمهات قبل كل شيء، اللاتي نجون من مشاعرهن بتكاليف كبيرة. وذكر منظمو الجائزة بأن الكتاب تعرض للرقابة من جانب الدوائر المحافظة في الهند، وتجاهلته الجوائز الأدبية الكبرى في الدولة الآسيوية العملاقة.
لكن النقاد أشادوا بما ينطوي عليه أسلوب الكاتبة من فكاهة تعبر في الوقت نفسه عن الألم وقساوة القصة، وبموقفها الحازم بلا مهادنة من طغيان النظام الأبوي والطبقية والتطرف الديني على المجتمع الهندي. وقالت الكاتبة عند حصولها على الجائزة “أقبل هذا الشرف العظيم ليس كفرد، بل كصوت يقف مع العديد من الآخرين” واصفة فوزها بأنه لحظة “لا تصدق”.
وقالت مشتاق أثناء تتويجها إن علامات الفوز “أكثر من مجرد إنجاز شخصي. إنه تأكيد على أننا كأفراد وكمجتمع عالمي يمكننا أن ننجح عندما نحتضن التنوع ونحتفل باختلافاتنا وندعم بعضنا البعض.”
النجاة بالكتابة
تلقت مشتاق المولودة عام 1948 لعائلة مسلمة تعليمها باللغة الكانادية لا بالأردية التي تعد اللغة الثقافية لمسلمي الهند. وبعدما كانت بدايات بانو مشتاق في مجالي الصحافة والتعليم، امتهنت المحاماة، وناضلت بصفتها الحقوقية ضد الأصولية وغياب العدالة الاجتماعية.
ومع أن زواجها كان نتيجة قصة حب، فإنها سرعان ما شعرت بالاختناق. تقول “لم يكن يسمح لي بنشاطات فكرية (…) وبالكتابة.” بعدما أصبحت أما، أنهكتها الحياة الأسرية، فما كان منها، لشدة يأسها، وكانت في السابعة والعشرين تقريبا، إلا أن سكبَت على جسدها الوقود لإحراق نفسها.
◙ بدايات مشتاق كانت في مجالي الصحافة والتعليم لكنها امتهنت المحاماة وناضلت ضد الأصولية وغياب العدالة الاجتماعية
وهرع زوجها إليها مع ابنتهما البالغة ثلاثة أشهر. تستذكر تلك الحادثة تقول “وضعها عند قدمي، وجعلني أركز انتباهي إليها، وعانقني، ثم ضمني إليه، وبهذه الطريقة تمكن من ثنيي” عن الانتحار. وفي أقصوصتها، تكون الطفلة هي صاحبة الفضل في لجم محاولة أمها. ورأت الكاتبة أن “شيئا من شخصية الكاتب ينعكس في مؤلفاته، سواء بوعي أو بغير وعي.”
وتملأ الكتب منزل بانو مشتاق الواقع في بلدة حسان الصغيرة في جنوب الهند. وعلى الجدران، علقت الجوائز والشهادات التي حصلت عليها، ومنها جائزة بوكر التي تسلمتها في لندن. وغيرت هذه الجائزة حياتها “بشكل إيجابي”، على ما تؤكد، مع أنها شكت ما تفرضه هذه الشهرة من عبء عليها.
وتستقبل الكاتبة الكثير من الزوار. وتقول بأسف “لم يعد لدي وقت للكتابة التي تشعرني بمتعة وارتياح كبيرين.” وأشادت لجنة تحكيم جائزة بوكر بشخصيات قصص بانو مشتاق، ووصفتها بأنها “صور مذهلة للقدرة على الاستمرار.”
وتشدد مشتاق على أن شخصياتها ليست خاصة ببلد بعينه أو مجتمع بذاته، بل تنطبق على كل زمان ومكان. وتقول “في كل مكان، تعاني النساء هذا النوع من القمع والاستغلال والسلطة الأبوية. المرأة هي المرأة، في كل مكان من العالم.” ومع أنها أقرت بأن أعمالها قد لا تحظى بإعجاب حتى من تكتب لأجلهن، فإنها تشدد على أنها تنوي مواصلة “قول ما يحتاج إليه المجتمع”، مضيفة “الكاتب دائما مؤيد للشعب.”