آكلو الأكباد

ناصر_الظاهري

سأجعل التداعيات وخواطر الحديث تنقلنا وأنا أتحدث عن الكبد، وارتباطها بثقافات الشعوب، وخاصة العربية، وحضورها اليومي في مفردات الناس، إما بالسلب أو الإيجاب، ومن ثم سنعرج على الموضوع الرئيس، وهو الحديث عن آكلي الأكباد، لا فرق بين كبدة حيّة نيئة، مثلما يفعل اللبنانيون أو أهل شمال السودان الذين يعدون كبدة الجمل النيئة أكلة الأبطال في فطورهم، أو كانت كبدة مشوية أو مقلية مثلما هو فطور بعض الشعوب مثل اليمنيين والعراقيين، فهي مفيدة إن استسغتها لأنها مصدر مهم للحديد في الجسم، مثلها مثل لحم الخيل المنعوت للذين يعانون من فقر الدم. المهم أن الحديث عن الكبد يطول ويتشعب، ويمكن للإنسان أن يشرّق ويغرّب، ولا يأتي بقاصيه، ولعل من المشهورات في الجاهلية ماضغة الأكباد أو آكلة الأكباد «هند بنت عتبة» انتقاماً لمقتل أبيها عتبة، وأخيه شيبة، وأخيها الوليد في معركة بدر، وفعلت فعلتها التي جرحت الرسول الكريم حين لاكت كبد حمزة بن عبد المطلب، بعد استشهاده في معركة أحد، وحين فتح مكة أهدر دمها، لكنها أتته مسلمة ممن عرفوا بعد الفتح بالطلقاء، ولم ينظر لها الرسول الكريم قط. والعرب كانت تقول: ضربنا أكباد الإبل في طلب العلم، وآباط الأبل في طلب العمل، دليل التعب والمشقة، وضرب الدروب من أجل الحصول عليهما، وأهل الخليج يقولون:
«لاعت جبدي، وغثيت جبدي»، بمعنى سببت لي حومة الكبد، ويقولون: «يا بعد جبدي» حين يتفدون الظنى أو العزيز الغالي، والعرب كانت تسمي الأولاد فلذات الكبد، ويصفون المكابدة بقولهم: «كابدت كبدي»، وأهل الشمال المغربي يقولون عن الحبيب: «آ..لكبيده»، وهي استعارة غير مخفيّة، ويقولون أيضاً إذا ما اعتادوا على شخص طيب وجميل وودود: «ربيت عليه لكبيده»، وأيام زمان كان أهلنا الطيبون يقولون ناصحين: «لا تسير على لحم بطنك أو جبدك خليّة» لكي لا تتعرض للتعب والمشقة والمكابدة فتموت جوعاً، وأصلها الأسطوري أنهم كانوا يعتقدون أن الجن والسحرة يحبون أكل الكبد الخليّة من أي طعام، مثلما يحبون الأكل الذي من دون ملح، وكانت العرب تقول: «تفتت كبده من الغيظ والضيق والحسد»، ويقولون أيضاً: «ما أبرد ذاك الشيء على كبدي»، دليل الاستحسان.
بعد هذا الاستطراد ندخل في موضوع: هل الكبد فعلاً يصيبها الغثيان واللوعة والقيء، رغم أنها هي المضاد القوي والمدافع عن الجسم من كل السموم؟ هنا يختلف رأي العلماء، وبصيرة البسطاء الذين يصرون على أن لوعة الكبد هي السم الذي لا تستطيع الكبد أن تستسيغه، فيطفر من ثقله ومرارته، لذا بصيرة البسطاء تنتصر لنفسها حين تنعت أحداً ثقيل النفس، والدم بـ: «فلان لوعة جبد»! ويسمون اللحوح من الناس والمتمادي في الطلب والاستجداء بقولهم: «خييبه.. تراه كَلّ جبدنا هذا أو اسميه ماذاه.. كَل جبدي»!
الذين يأكلون كبد الإنسان كثيرون، وتعرفونهم، وربما بعضهم يتمادى حتى يصل إلى المنطقة الأخطر وهو تورم الطحال، فاكتشفوهم وحاذروهم، وباعدوا بينكم وبينهم، ولا تجعلوهم يلوعون كبودكم في ساعات يومكم.. لأن مهنتهم الحقيقية في الحياة هي أكل الأكباد!

آكلو الأكباد