طه حسين وزيراً للمعارف

حسن مدن

لم يقبل طه حسين أن يكون وزيراً للمعارف طمعاً في المنصب الوزاري نفسه، وإنما لأنه أراد من خلاله أن يسعى إلى تحقيق ما طالب به في كتبه ومقالاته من تطلعات تربوية، في مقدّمتها مجانية التعليم، مع أنه من الصحيح أيضاً القول بأن للأمر علاقة بكونه عضواً في حزب الوفد الذي شكّل الحكومة يومها، فالعرض بأن يكون وزيراً أتاه من الزعيم الوفدي مصطفى النحاس الذي أصبح رئيساً للحكومة، وما إن تقلّد العميد منصبه حتى شرع في العمل على تحقيق ما دعا إليه من أهداف.

لم يكن طه حسين غريباً على وزارة المعارف؛ فقبل أن يصبح وزيرها، تقلّد فيها وظيفة المستشار الفني لسنوات، ما جعل أعباء الوزارة الإدارية على كاهله، عندما كان حزب الوفد في الحكومة في دورة سابقة، وحين ترك الوفد مقاليد الحكم استقال العميد من منصبه، رغم أن الحكومة التي أتت تالياً كانت راغبة في الإبقاء عليه في المنصب، للإفادة من علمه، لكنه رفض، وعاد يكتب في الصحف ويحاضر في المعاهد كمصدر دخل بديل له.

هذا بعض ما أتى به سامي الكيالي صاحب ومحرر مجلة «الحديث» التي كانت تصدر في مدينة حلب السورية، وكان طه حسين أحد كتّابها، وجمعته مع صاحبها معرفة وصداقة، وقد أصدرت مؤسسة سلطان العويس هذه المقالات في كتاب، من إعداد وتقديم محمد شاهين، وحين أصبح طه حسين وزيراً قصده الكيالي في مكتبه بالوزارة بغية إجراء حوار معه لنشره في المجلة، وما رآه بعينيه من اجتماعات ومهام العميد فترة تلك الزيارة القصيرة، جعله يدرك أن إجراء الحوار غير ممكن، لكن طه حسين دعاه لاحقاً إلى بيته، فاحتفى به هو وزوجته، سوزان، أحسن احتفاء، وبعد أن انفرد الرجلان في مكتبته التي تزخر بأمهات الكتب العربية والأجنبية، سأله الكيالي إذا كان يفكر في العمل على محو الأمية في مصر، بعد أن مهد لذلك بإقرار مجانية التعليم، فكان رد العميد واقعياً، فما يفكر به حالياً هو «حماية الأجيال الناشئة من الأمية، التي لم تستطع مصر حماية الأجيال السابقة منها، وحسب الوزارة أن تعنى بالحاضر والمستقبل، أما الماضي فأمره إلى الله والتاريخ».

ورداً على سؤال آخر من الكيالي عما إذا كان بوسعه أن يطمئن قراء العميد إلى أن الوظيفة لن تصرفه عن الكتابة، كان ردّه أن الوزارة لا تترك له، للأسف، وقتاً للإنتاج، قبل أن يستدرك: «المُحقق أن الوزارة تجربة ينتفع بها الأديب، وإذا مُدّت لي أسباب الحياة فقد أصوّر هذه التجربة تصويراً لا يخلو من فائدة».

طه حسين وزيراً للمعارف

جريدة الخليج