You are currently viewing في محاضرة بعنوان «جذور أدب اللغة العربية» سلطان: الثقافة استنباط من الإنسان

في محاضرة بعنوان «جذور أدب اللغة العربية» سلطان: الثقافة استنباط من الإنسان

أوضح صاحب السموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، أن الحركة الثقافية في منطقة شبه الجزيرة العربية، كان مركزها مدينة «الرها»، حيث مهد الأدب الآرامي، من 132 ق.م إلى 216 م، وكان يقطنها الآراميون والأنباط، وبحثوا في كل علوم اللغة، من بيانٍ وصرفٍ ونحو وخطابةٍ وشعرٍ، كما بحثوا في علوم المنطق، والفلسفة، والرياضيات والعلوم الطبيعية، والفلك وعلم المساحة والطب وعلم الأخلاق، والتاريخ والجغرافيا والموسيقى، وفن القصص. ومن هنا بدأ المركز الأساسي الذي نبعت منه كل اللغات، وكان الأنباط يرسلون الرسائل عن طريق الشعر إلى معارفهم وجيرانهم، يخبرونهم فيها عن حماستهم وشجاعتهم وأحوالهم.

وأكد سموّه، أن كلمة شعر تعني: خبر وعلم، وهي كلمة اشتقت لهذا التركيب من الأبيات، وشعرٌ نبطي تعني: جاءنا خبر وعلمٌ نبطي، والأنباط نقلوا تلك الصورة بالتقسيمات التي كانت موجودة في الأوزان وكذلك في البحور الشعرية، وهو ما شكّل الأساس الذي يرجع له أصل الشعر النبطي الذي تكوّن في مكة والمناطق الأخرى.

كما بين سموّه، أن الثقافة ليست مؤقتة، وليست مستوردة، بل هي استنباط من الإنسان الذي يبقى على الأرض، وهي بدورها تستنبط من الإنسان، وتعطيه مفاتيحها.

جاء ذلك في المحاضرة التي ألقاها سموّه، خلال استقباله مساء يوم الثلاثاء 29 مايو 2018 نخبة من الإعلاميين من مختلف إمارات الدولة، وجاءت بعنوان «جذور أدب اللغة العربية»، في مسرح المجاز التابع للمكتب الإعلامي لحكومة الشارقة، بحضور الشيخ سلطان بن أحمد القاسمي، رئيس مجلس الشارقة للإعلام، والشيخ خالد بن صقر القاسمي، رئيس هيئة الوقاية والسلامة، والدكتور سلطان الجابر، رئيس المجلس الوطني للإعلام، وعبدالله بن محمد العويس، رئيس دائرة الثقافة، وعلي إبراهيم المري، رئيس دارة الدكتور سلطان القاسمي، والدكتور خالد عمر المدفع، رئيس مدينة الشارقة للإعلام، ومحمد عبيد الزعابي، رئيس دائرة التشريفات والضيافة، ومحمد حسن خلف، المدير العام لمؤسسة الشارقة للإعلام، وطارق سعيد علاي، مدير المكتب الإعلامي لحكومة الشارقة.

وقال سموّه، «إذا نظرنا إلى اللغة العربية، نجدها وكأنها تنبع من الصحراء، صحراء خالية، ومنْ فيها رُحّل، والرُحّل لا نعلم لهم ثقافة، فالثقافة، كما هو معروف، تأتي من الاستقرار، والمدن التي تكون حاضِرة، وهي تعني الملتقى. ولذا لا بدّ أن نبحث في كيفية مجيء هذه اللغة العربية الدقيقة في تصريفاتها وتركيباتها. التي إذا نظرنا فيها، نجد أن من بعض ما يلفت النظر، أنها تتجمع في شكل حروف معينةٍ لتعطي مدلولاً واضحاً، مثال: نقول: هذه ساحة، وفناء البيت: باحة، وهذه مساحة، وفي وسط الصحراء: واحة. وكذلك في مضمون الكلمات، نقول في معاني عبارة «أشياء لا تزول»: الوسمْ، والوشمْ، والرسمْ، والرشم، والبصمْ، ويُضافُ إليهم: الوصمْ، وهو العارُ الذي لا يزول. كل ذلك يجعل عند الباحث في اللغة العربية قناعة بأنها لم تأتِ من فراغ، ولا بدّ أن تكون لها جذورٌ عميقة، تجمعت لتعطي كل هذا التنوع الواسع في الشكل والمعنى والمضمون».

زمن إبراهيم الخليل 1800 ق.م

وتابع سموّه سرده التاريخي، «تتُّبع جذور أدب اللغة العربية، رحلة طويلة في التاريخ وفي تنقلات الجماعات في المناطق المختلفة، تبدأ من عام 1800 ق.م، حيث خرج سيدنا إبراهيم الخليل من بلدة أور تل المقيّر، ومما عرف عنه كثرة التفكر في خلق الله سبحانه وتعالى، بعدها رحل إلى بلدة تسمى حرّان تقع إلى الشمال، كانت موطن الصابئة الذين كانوا يعبدون النجوم والقمر والشمس، وهي عبادة لم تُقنع سيدنا إبراهيم، فخرج مسافراً مرة أخرى إلى فلسطين، حيث استقر هناك عند البحر الميت مع ابن أخيه سيدنا لوط عليه السلام، الذي أصبح نبياً هو الآخر. حدث بعدها أن خسف الله سبحانه وتعالى الأرض ببلدة سدوم، ومعها بعض القرى كعمورية، كان يسكنها قوم يُقال لهم المؤتفكة، أي أصحاب الإفك».

وأكمل سموّه قصة سيدنا إبراهيم الخليل، وإسحق ويعقوب وأبنائه ومنهم يوسف وأخوه عيسى الذي رحل عن إخوانه للابتعاد من شرورهم، إلى جانب قصة أبناء سيدنا إسماعيل الاثني عشر من زوجاته الثلاث من عوائل جهرمية من مكة، وهم: نبط وقيدور وإخوانهم، وكذلك أبناء نبط وقيدور وإخوانهم، ويقال لهم الإسماعيليون.

رحلة الإسماعيليين

وسرد سموّه قصة الإسماعيليين الذين انتقلوا من مكة إلى منطقة أيلة كان فيها يوسف، وهو ابن سيدنا يعقوب عليه السلام الذي طرده إخوانه، وكذلك أبناء شقيقه، إلى جانب القادمين من الإسماعيليين. ومن هذه المنطقة انتشر هؤلاء، حيث رحل أبناء قيدور إلى دومة الجندل واستقروا فيها، بينما رحل أبناء نبط إلى البتراء واستقروا هناك. ويرجع أصل تسمية البتراء، وكانت في البداية لفظاً نبطياً، ولكن التسمية لاحقاً أخذت الاسم الإغريقي، وتعني الصخر في اللغة اليونانية.

وتحدث عن قصة رمي سيدنا يوسف عليه السلام في البئر، والمكان الذي أخذوه إليه يسمى دوثان، حيث لم يذكر القرآن الكريم، من هم الأشخاص الذين اشتروه، بينما في سفر التكوين من الكتاب المقدس، الإصحاح 25، ذكر أن جماعة من مَدين تتاجر مع الشمال، وتمر من عند البئر هم الذين أخذوا يوسف، بينما في الإصحاح 26 يُذكر أن إسماعيليين من جلعاد، وهي آخر المرتفعات في جبال الأردن هم الذين اشتروه، أي أصحاب السيّارة، كما يذكر القرآن الكريم، وهم جماعة ينقلون البضائع من الخليج إلى مصر، بغرض التجارة، وأخذوا يوسف بعد أن اشتروه من تجار مدينيّين.

أقوام توافدوا على المنطقة

وتابع سموّه، مبيناً اختلاف الروايات في أصل الأقوام الذين أتوا إلى المنطقة، «في هذه البقعة (البتراء) كان يوجد أنباط، وهناك أقوام أتوا من بلاد الرافدين وسكنوا في منطقة تسمى إِرَمْ، وهي تعني الأرض المرتفعة، وهناك قولٌ بأنهم جماعات من الساميين من جنوبي العراق، اتجهت إلى الفرات الأعلى وسكنت هناك، بينما يقول آخرون إن جماعة من الصحراء السورية باتجاه مصر، نزحت من الشمال باتجاه الحدود الغربية، ويذهب آخرون إلى أن أقواماً من شبه الجزيرة العربية نزحوا من هناك».

الآراميون.. البداية والنهاية

وواصل سموّه قائلاً، «تبيّن أن الآراميين قومٌ دفعت بهم الإمبراطورية الآشورية في ذلك الوقت، ليستقروا هناك، حتى لا يأتي الرومانيون بأقوام من الشمال من عندهم، وهو الرأي الراجح والصحيح. ونجحت الإمبراطورية الآشورية في تكوين دويلات كان أهمها في دمشق، حيث تكون فيها مجتمع ثقافي سياسي اقتصادي، وبدأ أول تكوين للحضارة الأولية، حيث كان يطلق عليهم تسمية الرحّل في بلاد فارس ومصر والعراق. وتكوّنت في دمشق أول نقطة تسمى مركز المدينة، وكانت ملتقى تجارياً وثقافياً، وبدأ المجتمع يستعد بدلاً من أن يتنقل، وبقوا حاضرين هناك، حتى قضت الإمبراطورية الآشورية سنة 612 ق.م على دويلات الآراميين، لأنهم خرجوا عن سيطرتها، بعد أن شنت عليهم عدداً من الهجمات خلال أعوام: 856 ق.م، و740 ق.م، و740 ق.م، و733 ق.م، إلى عام 586 ق.م وهو الهجوم الذي أزاحهم وقضى، كذلك، على اليهود الذين كانوا موجودين هناك، بقيادة نبوخذ نصر، وبذلك انقرضت الدويلات الآرامية».

الأنباط 312 ق.م – 106 ق.م

وتحدث سموّه، عن الوجود التجاري في البتراء، حيث وجد الأنباط، وإن كانوا بدون سلطة، بعد أن فقدوها وظلوا يمارسون التجارة. كما تكون لديهم نوع من السُّلطة بعد إزاحة التأثير الآشوري الذي قضى عليه الإسكندر الأكبر، حيث كان هناك فراغ كبير ملأه الأنباط.

حملة أنتيغونس لغزو مصر 312 ق.م

وبين سموّه، تفاصيل قوة الأنباط وقدرتهم على هزيمة حملة القائد أنتيغونس السلوقي المقدوني عام 312 ق.م، الذي جاء لغزو مصر، بعد أن أكمل احتلال بلاد فارس والعراق، ولكن حملته اصطدمت بالأنباط، حيث انتحر أنتيغونس هو وجيشه في المعركة التي شهدتها البتراء، ولكن الحكم السلوقي بقي، حيث واصلت سلالة أنتيغونس من الأبناء هيمنتهم على الحكم، لتصبح هناك قوتان هما: الأنباط والآراميون من جهة، والمقدونيون الذين جاؤوا من الشمال من الجهة الأخرى.

فناء حملة أنتيغونس

وواصل سموّه قائلاً، «وفي غفلة من الزمن، حدث خروج في الدولة التي تكوّنت من السلوقيين، حيث تكوّنت مجموعة من الآراميين، ومعهم الأنباط، رحلوا إلى الشمال وبنوا مركزاً اسمه الرها (وهي مهد الأدب الآرامي 132 ق.م – 216 م) مثلت المطبخ الرئيسي والأساسي لكل اللغات والعلوم، حيث تكوّنت الآرامية وتطورت، والنبطية التي نالت حظاً من التطور أيضاً. وكانت الرها مدينة متقدمة لديها أسوار وأبواب، وفيها أنهار، وكانت قبلة للتجارة تتهافت عليها بلاد فارس والإغريق واليونان».

الرها مهد الأدب الآرامي

ووصف سموّه، الحركة الثقافية في مركز الرها قائلاً، «كان أهل الرها من الآراميين والأنباط، بحثوا في كل علوم اللغة، من بيانٍ وصرفٍ ونحو وخطابةٍ وشعرٍ، كما بحثوا في علوم المنطق، والفلسفة، والرياضيات والعلوم الطبيعية، والفلكية وعلم المساحة والطب وعلم الأخلاق، والتاريخ والجغرافيا والموسيقى وفي فن القصص. ومن هنا بدأ المركز الأساسي الذي نبعت منه كل اللغات».

أقسام الشعر الآرامي

وعن مقاربة الأدب في تلك الفترة، ودلالات جذوره في اللغة العربية، قال سموّه، «الأدب في ذلك الوقت كان يتمثل في القصيدة والأغنية، وكانت القصيدة عند الآراميين والأنباط في مركز الرها، خطاباً شعرياً بأسلوب قصصي حماسي، يتألف من أشعار ذات وزنٍ واحد، وهو شبيه بما لدينا الآن، بينما بحور الشعر أو الأوزان فقد كانت ثلاثة، وهي بحور القصيدة العربية نفسها، كما لديهم التشطير أيضاً. وكانت الأغنية لديهم أصلها تراتيل وتمثل النوع الغنائي، والبحور فيها من 4 إلى 10 مقاطع، ولكن المدهش هو وجود تكرار وتدوير في الشطر الأول الذي يتكرر عند كل فاصلة، وهو الموجود لدينا نفسه. وتوجد قصيدة مكتوبة باللغة الآرامية وثيقة».

نهاية دولة الأنباط

وواصل سموّه مفصّلاً طريقة انتقال الأدب من مركز الرها إلى شبه الجزيرة العربية، «أخذ الأنباط الحضارة من مركز الرها بعد أن أزيلت بعد قضاء الإمبراطور الروماني تراقان عليها سنة 106 م، بعد هجومه على المنطقة التي أزاح منها الأنباط نهائياً، حيث رجعوا إلى موطنهم مكة، مستدلاً سموّه بشرح الآيات الثلاث الأولى في مقدمة سورة قريش {لإيلاف قريش، إيلافهم رحلة الشتاء والصيف}، حيث بيّن سموّه أن معنى الآيات الكريمة هو: ألفنا قريشاً، أي ألفنا بينهم، وإيلافهم تعني جمع اثنين من هنا وهناك. وأخذوا التجارة مهنة في رحلة الشتاء والصيف لأنهم أدرى بالشام وبالتجارة».

وعن علاقة الأنباط بالشعر وتطور أهدافه واستخداماته، شرح سموّه قائلاً، «كان الأنباط يرسلون الرسائل عن طريق الشعر إلى معارفهم وجيرانهم، حيث امتدوا إلى الجزيرة العربية وليس الشمال، يخبرونهم فيها عن حماستهم وشجاعتهم».

وعن أصل الشعر النبطي أشار سموّه، إلى أن كلمة شعر تعني: خبر وعلم، وهي كلمة اشتقت لهذا التركيب من الأبيات، وشعرٌ نبطي تعني: جاءنا خبر وعلمٌ نبطي، والأنباط نقلوا تلك الصورة بالتقسيمات التي كانت موجودة في الأوزان وكذلك في البحور الشعرية، وهو ما شكّل الأساس الذي يرجع إليه أصل الشعر النبطي الذي تكوّن في مكة والمناطق الأخرى.

وعرج سموّه، على ذكر الحَواضِر، وهي المدن والأماكن التي كانت تصنع الثقافة، مشيراً سموّه إلى دور الملوك الكبير في الاحتفاء بالشعراء وتحفيزهم، منذ أيام الملك المنذر ملك الحيرة الذي جعل من عاصمته الحيرة ملتقى دائماً للشعراء، مع أن الشعر ارتبط بالعائلة الملكية، وعندما انتهت انتهى كل شيء.

واختتم سموّه محاضرته القيّمة قائلاً، «الثقافة ليست مؤقتة، وليست مستوردة، الثقافة استنباط من الإنسان الذي يبقى على الأرض. الثقافة بدورها تستنبط من الإنسان، وتعطيه مفاتيحها».

إصدارات أدبية قادمة

وقد أعلن صاحب السموّ حاكم الشارقة، عن قرب إصدار سموّه كتاباً جديداً يضمّ المحاضرات القيّمة التي قدمها سموّه خلال السنوات الماضية، وتناولت تاريخ الأمة العربية ولغتها وتراثها وأدبها، إلى جانب تاريخ المدائن القديمة وصولاً إلى تاريخ صدر الإسلام، إلى جانب كتب أخرى. جاء الإعلان في معرض رد سموّه على سؤال قدمه أحد الحضور، أشار فيه إلى أهمية طبع ونشر محاضرات سموّه، لفائدتها الكبيرة وندرتها وقيمتها العلمية والأكاديمية العالية.

التوثيق والتاريخ

وأكد صاحب سموّه، أهمية الالتفات إلى ضرورة العناية بمراكز التوثيق والمخطوطات المتخصصة، لما لها من أهمية في حفظ تاريخ الشعوب وجغرافها وتراثها وأدبها، مشيراً إلى أنه بدأ الاشتغال على البحوث منذ أكثر من 30 عاماً، وهو ما أتاح لسموّه الاطلاع على الكثير من المعلومات الحقيقية عبر مراكز البحوث.

كما أكد سموّه، خلال الإجابة عن سؤال يتعلق باهتمام سموّه بالبحث في التاريخ، وأهمية دراسة التاريخ وقراءته لجيل الشباب، أن الأهم ليس التركيز على التاريخ، بل التركيز على ما يحمله ويؤكده من حقائق. لافتاً وجوب إعادة كتابة التاريخ لأنه أحياناً يكتب على حسب السُلطة الموجودة. وقال سموّه، إن تزييف التاريخ موجود، والفرق كبير بين «قال» و«قيل».