يمكن القول باطمئنان ان خير سفير في الزمان كتاب، مع الاعتذار للمتنبي على تحريف بيته الشهير “أعز مكان في الدُنى سرج سابح/ وخير جليس في الزمان كتاب” وهذا ما لمسته خلال حضوري ومشاركتي في معرض “جوادا لاهارا” الدولي للكتاب في المكسيك، ضمن وفد الشارقة الثقافي حيث كانت الشارقة ضيف الشرف، كما كانت عروس هذا المعرض ونجمته المتألقة.
لكن الشارقة لم تذهب بالكتاب وحده إلى المكسيك، وإلى العالم الناطق بالإسبانية، وكان يكفيها ذلك لو فعلت، لكنها اختارت ان تقدم أوجه الثقافة في الامارات للجمهور المكسيكي، من خلال نشاط ثقافي متنوع من الندوات والمحاضرات حول التراث والأدب واللغة والإعلام الى الفنون التشكيلية والتراثية والمسرحية والموسيقية، وصولاً إلى الكتابة الإبداعية من شعر ورواية وقصة وأدب أطفال.. وغير ذلك من أنشطة شهدها جمهور كبير غصت به أروقة الجناح الذي تميز بتصميمه الجذاب ومساحته الكبيرة التي تناسب حجم هذا النشاط الثقافي.
ولست أعلم مدى نجاح المشاركة هذه المرة بالمقارنة مع مشاركات الشارقة في معارض الكتب العالمية طيلة السنوات السابقة، غير ان الكتاب يُقرأ من عنوانه، وعنوان المشاركة في المكسيك هذه المرة هو النجاح على أكمل وجه ليس بشهادة زملاء شاركوا من قبل في معارض أخرى، ولكن بشهادة الحضور اليومي المكثف من الجمهور لمتابعة الأنشطة اليومية المختلفة، وللاطلاع على زبدة المعروض من الكتب في مجالات مختلفة من التاريخ والأدب إلى التراث والفنون، وقد كانت سعادتنا كبيرة نحن الأدباء أن نجد أعمالنا الأدبية على أرفف العرض مترجمة إلى اللغة الاسبانية بجهد مشكور من هيئة الشارقة للكتاب، من بينها قصة “على حافة النهار” لكاتب هذه السطور مما أشعل لديّ جذوة الكتابة التي كادت أن تخبو وأعادتني إلى نشاطنا الأدبي خلال ثمانينات القرن الماضي، حيث انطلقتْ مسيرتنا الثقافية في ربوع الشارقة ورفرفت في فضاء الثقافة العربية حتى اليوم، بدعم ورعاية ومشاركة من حاكم الشارقة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي الذي حمل على عاتقة الثقافة وجعل من إمارته عاصمة للكتاب والثقافة العربية وحمل لوائهما الى العالم شرقاً وغرباً.
للحق والتاريخ نشير الى ان هذا الجهد الكبير لم يعد يمثل الشارقة وحدها، بل يمثل دولة الإمارات والثقافة العربية في هذه المشاركات الخارجية العالمية تحديداً وهذا ما لمسناه بوضوح في معرض “جوادا لاهارا” الدولي للكتاب، فكل ما في المعرض من تصميم وديكور ومنتجات ثقافية وتراث وفنون وغيرها من الندوات نطقت باسم الامارات وكانت خير سفير لها.
ولا ننسى في هذا الإطار جهد كوكبة من شبابنا الذين كانوا وراء هذا العمل ومثلوا هذا النشاط بشكل مشرق ومتألق وعلى رأسهم الثلاثي الشيخ فاهم القاسمي رئيس دائرة العلاقات الحكومية في إمارة الشارقة، والشيخة بدور القاسمي رئيسة الاتحاد الدولي للناشرين، وسعادة أحمد بن ركاض العامري رئيس هيئة الشارقة للكتاب، كل في مجاله واختصاصه وعمله.
وأخيراً لعل ما ساهم في نجاح المعرض هو القاسم المشترك بين الثقافة العربية والثقافة الإسبانية، حيث الكيمياء التاريخية كانت حاضرة من خلال المفردات اللغوية ذات الجذور العربية، فضلاً عن الانجازات العلمية التي كرسها الوجود العربي الأندلسي، وذكريات التعايش الحضاري الذي دام قرابة ثمانية قرون، ولم تنجح ما سميت بـ “حروب الاسترداد” البغيضة بكل قسوتها ولا انسانيتها في اقتلاع جذور الثقافة العربية من التغلغل في الوجدان الثقافي الاسباني، لقد بقي ذلك النبض الحي في جينات أجيال شابة جاءت إلى جناح الشارقة.. أجيالٌ تبحث عن ماضي الأجداد عبر الكتب وعبر الحنين الذي لا يتوقف عند زمن أو تاريخ.
في الطريق الى جوادا لاهارا – بقلم عبد الحميد أحمد