هل بدأت العلوم تقلب الطاولة على كل العلوم؟ العلوم ستغيّر طبيعة العلوم، وتضفي عليها مفاهيم لا سابقة لها. المشهد طريف، وإن كان لا يخلو من الوقاحة، فليس من السهل التجرّؤ على العلماء بإخضاعهم لدورات إعادة تأهيل، والأنكى أن يبلغ الأمر حدّ إعادة التكوين.
تقول لعالم اشتعل الرأس منه شيباً في خدمة العلم: علمك على الرأس والعين يا أستاذنا، لكن تجاوزت علمك العلوم.
لا شك في أن المناهج العربية الرّقيمية في العصر الرقمي، لن يتأخر كثيراً استيقاظها، فمن الدلائل، والله أعلم، أنها تتقلب ذات اليمين وذات الشمال. صبح الصحو قريب، طوال التاريخ الحديث وهي نائمة، منذ القرن السابع عشر، ثلاثمئة عام.
المأساة أن عودة الوعي ستكشف لها أن عملات علومها أمست من أساطير الأولين. لا علينا، فعلوم المتقدمين علمياً تقفز قفزات مدوخة. ما الصفة الأفضل من مدوّخة؟ هي بين الشعر و«الهالووين»، هي ليست استحضار الأرواح، لكن مسرحها تتراءى فيه الأشباح. السويدي الذي حاز هذا العام جائزة نوبل في الطب، سفانتي بابو، تخصصه الأصلي هو في العلم الذي هو مؤسسه: علم وراثة الإحاثة، علم وراثة المطمورات.
بعبارة أوضح، هذا العالم أتى بما لم يستطعه الأوائل، نقل علم الآثار من الفأس والمجرفة إلى التنقيب عن الحمض النووي، فتسمع صوت أبي العلاء يتردد في المغارات والكهوف، يخاطب عالم الآثار الباحث عن بصمات الأولين: «خفّفِ الوطء، ما أظن أديم الأرض إلاّ من هذه الأجسادِ».
أخذ الخيام الصورة ورَمْنَسها (جعلها رومانسية): «فامشِ الهوينا إن هذا الثرى.. من أعين ساحرة الإحورارْ». بالمناسبة: المعري تعني المَغاريّ، نسبة إلى المغارة، فالمغارة في الآرامية: مْعاراَ، بسكون الميم، الألف الأخيرة بمثابة أل التعريف في العربية.
العالم السويدي أخذ عيّنة حمض نووي من قطعة متبقية من خنصر إنسان نياندرتالي في أحد الكهوف البلجيكية. عيّنات أخرى عثر عليها في سيبيريا، ترجع إلى 120 ألف سنة، وفي إسبانيا عيّنات عمرها 430 ألف سنة.
أما كيف عشق هذا الميدان، فالسر في اكتشافه المومياءات المصرية في سن الثالثة عشرة. لا عجب، فوالده أيضاً حاز جائزة نوبل في الكيمياء الحيوية. هذا العلم قطرة من بحر العلوم، ولكنها كفيلة بأن تغيّر أساليب البحث العلمي في التاريخ والآثار والإحاثة، والوراثة والتطور وتاريخ الغذاء.
لزوم ما يلزم: النتيجة الكأسية: متى يتكرّم الشباب العربي على العلوم بواحد من الألف من عشق المستديرة؟
جريدة الخليج
.المعرّي وأحدث علوم الوراثة – بقلم عبداللطيف الزبيدي