مفارقات الثروة الاشتقاقيّة – بقلم عبداللطيف الزبيدي

عبد اللطيف الزبيدي

اليوم، وقد جرت دماء جديدة في شرايين مجامع اللغة العربية، فإن أحلام لغتنا نما لأجنحتها ريش. كبرت آمالنا. معاجمنا التراثية نعتزّ بها، ولكن نسبة من موادّها بلا طائل، ونسبة أخرى عدم وجودها أفضل. لا نشك في أن علماء لغتنا العاكفين على إنجاز «المعجم التاريخي للغة العربية»، سيحلّون جانباً كبيراً من مشكلات القواميس التراثية.

نذكر مثالاً من أحد أهمّ قواميسنا، «لسان العرب»، لنتبيّن إشكالية تعدّد الاشتقاقات المختلفة في الجذر الواحد، وهي قضيّة لا ناقة فيها للمؤلف ولا جمل، ولكننا في الوقت نفسه نرى العجائب في طريقة تناول المادّة. كان الله في عون علماء المجامع في صناعتهم المعجميّة الرائدة هذه.

على ذكر الناقة والجمل سنأخذ مادة الجيم والميم واللام، يقول: «الجَمَل: الذكر من الإبل. قيل إنما يكون جملاً إذا أربع، وقيل إذا أجذع، وقيل إذا بزل، وقيل إذا أثنى». يا أستاذ ابن منظور، بالله عليك، هل ينبغي للعاقل مثل هذا الكلام؟ متى تجوز تسميته جملاً، إذا أربع، بلغ الرابعة، أم إذا أجذع، عند استكماله الرابعة ودخوله الخامسة، أم إذا بزل، انشق نابه في التاسعة، وربما في الثامنة كما تقول، أم إذا أثنى، عند بلوغه عامه الثاني؟ أين الثانية من التاسعة يا رجل؟ كم أنتِ غافلة يا برامج الترفيه الرمضانية. أمّا في الجذر الثلاثي «جذع»، فالعلّامة ابن منظور يقول: «وقيل لا يكون الجَذَع من البقر حتى يكون له سنتان وأوّل يوم من الثالثة». عجباً، فالآدميون أنفسهم لا يحظون بهذه الدقة التي تفوق ساعة «بيج بن».

الإشكالية في أصل الجذر تتمثل في الشطحات الاشتقاقية: الجَمَل: الحبل الغليظ، كحبل السفينة، ومنه تفسير: «حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ» (الأعراف 40). في هذا الدرب يتجلّى الجَمال بهاء وسنى، مع شدو الجُمَيْل بالتصغير، يقول «اللسان»: هو طائر من الدخاخيل، قال سيبويه هو «البلبل». لكن الجَميل مختلف، فهو الشحم المذاب. أمّا الجملة فهي من جمل الشيء، جمعه.
لزوم ما يلزم: النتيجة المنهجيّة: على اللغويين أن ينقذونا من انعدام المنهجية، وأن ينقّبوا عن الأسرار الخفيّة وراء فوارق الاشتقاقات.

جريدة الخليج

مفارقات الثروة الاشتقاقيّة – بقلم عبداللطيف الزبيدي