محمود درويش في الإمارات – بقلم يوسف ابو لوز

يوسف ابو لوز

ينقص هذه المادة في مناسبة ذكرى رحيل محمود درويش أن أعرض للقارئ الصديق جانباً من كتاب: «مطر لا.. يبلّل إلاّ البعيدات» الذي أصدره اتحاد كتاب وأدباء الإمارات في الذكرى الأولى لغياب صاحب «سرير الغريبة» وفاء لشاعر أحب الإمارات، وكانت الإمارات وطن ترحيب دائم بشاعر إنساني عالمي قفز من الشعاراتية والخطابية والمنبرية الساذجة إلى كل ما هو طيب وجميل في روح الإنسان.
استقبلت الإمارات محمود درويش بحفاوة خاصة دائماً، نابعة من الطبيعة الأخلاقية الرفيعة لمفهوم الثقافة هنا في بلاد تعوّل على الجانب النبيل في الفنون والفكر والآداب وتحترم النخب والرموز الأدبية الشعرية والروائية المثقفة والمنادية بفكر التنوّع والتعايش والتسامح.
مئات الكتّاب العرب من شعراء وروائيين ونقاد ومفكرين ومسرحيين كانوا ضيوفاً على الإمارات في مئات المناسبات الثقافية منذ نشوء الدولة في عام 1971، وحتى اليوم بلا استثناءات وبلا تمييز، وكان محمود درويش قد زار الإمارات واستقبلته بما يليق بها وبه عشرات المرّات، وأحيا العديد من الأمسيات الشعرية في مؤسساتها الثقافية الأساسية، وكانت أوّل أمسية لدرويش في أبوظبي في عام 1974 في قاعة سينما «الدورادو»، وتقول المعلومات حول تلك الأمسية إن درويش قد أقام في تلك الزيارة في فندق «زاخر»، ولا أدري الآن وبعد نحو أكثر من 45 عاماً على تلك الأمسية ما حلّ أو تغير على السينما والفندق.
كرّمت الإمارات درويش وهو على قدر هذا التكريم، أكثر من مرّة: خصصت له مؤسسة سلطان بن علي العويس التي منحته جائزة الإنجاز الثقافي والعلمي في دورتها الثامنة 2002-2003 ندوة خاصّة شارك فيها نخبة من الكتاب العرب، وجمعت أوراق تلك الندوة في كتاب صدر عن المؤسسة التي أصدرت أيضاً كتاباً ضمّ مختارات من شعر درويش.
 في عام 2008 أطلق اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات «فرع أبوظبي» اسم درويش على موسمه الثقافي في ذلك العام. وأطلق بيت الشعر التابع لجمعية الفجيرة الاجتماعية الثقافية وسام محمود درويش للشعر العربي في مناسبة الذكرى العاشرة لرحيله 2018.
اللفتة الإماراتية الأخلاقية والإنسانية والثقافية الكبرى في تاريخ علاقة الإمارات بدرويش تتمثل في توجيه صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، بتخصيص طائرة خاصّة نقلت جثمان محمود درويش من المستشفى الذي كان يعالج فيه في هيوستن في الولايات المتحدة الأمريكية، وحطت الطائرة بجثمان الشاعر في مطار ماركا في العاصمة الأردنية عمّان، ومن ثَمَّ نقل جثمانه إلى مدينة رام الله في فلسطين حيث ووري الثرى.
كان محمود درويش أكبر من المؤسسة السياسية الفلسطينية التي كانت تستقطبه نحو أن يكون عنصراً موظفاً في إطارها، فرفض أي مكان أو منصب في هذه المؤسسة التي رأى أنها أصغر من الدولة، وفي إحدى قصائده قال بكل وضوح: «ما أكبر الفكرة.. ما أصغر الدولة..»، وهكذا، ظل شاعراً حرّاً بعيداً عن أخطاء وخطايا السياسة في فلسطين التي كانت في شعره أيقونة عالمية دائمة وأبداً.

جريدة الخليج