ما ورائيّات بحور الشعر – بقلم عبداللطيف الزبيدي

عبد اللطيف الزبيدي

ينصرف ذهن القلم دائماً إلى قضية لا ينبغي لأهل الثقافة إهمالها، فهي جمالية عصرية بقدر ما هي تراثية. كيف يجوز للأذن العربية ألاّ تكون شديدة التعلق بالموسيقى، وهي، قبل سن الخامسة عشرة وربما أقل، تأنس إيقاعات شعرية متنوعة، كلها قائمة على التفعيلة، التي هي ذات جمالية راقصة، ضبط إيقاعها ظاهر المقاييس. ترى الوزن يصيح: أنا المتقارب، هل تسمعون؟ فعولن فعولن… هل سمعتم رملي المنساب موجاً؟ فاعلاتن فاعلاتن..؟

الأذن الغربية، ومثلها آذان شتى شرقاً وغرباً، وهي الأغلبية الغالبة، عليها أن تعد الأقدام، فحسابهم بالقدم، أي المقطع الصوتي، لكي يدرك الشخص هل الإيقاع مضبوط أم الوزن منكسر؟ في بحورنا كل بحر يطرق السمع وكأنه دف في يد ضابط إيقاع ماهر. حتى بحر المنسرح، إذا عرف قارئ شعره كيف يفصل تفعيلاته إيقاعياً، فإن له رقصة ينفرد بها فيتفرد: مستفعلن مفعولاتُ مفتعلُ. يقول ابن الرومي: «يا مددي حين خانني مددي».

ليس سهلاً أن تجد تفسيراً منطقياً علمياً، على صعيد التحليل الذوقي، لنشوء ستة عشر وزناً في الشعر العربي في عصور ما قبل الإسلام. هو من دون مبالغة انفجار عظيم ذوقي، «بيج بانج» الجماليات الصوتية. الأعسر تبريراً هو الاستقصاء الموسيقي الذي لم يكن بالقوة نفسها، بالأبعاد والمديات ذاتها. لكن، إذا أراد باحثون جادون أن يحققوا في حيثيات هذا المحور المحير، فإن عليهم عدم استبعاد أن قوة إيقاعات التفعيلات، ونقاط ارتكازها خصوصاً في الأوزان ذات التفعيلة. الموحدة (الرجز، الكامل، الرمل، الهزج، المتقارب، الخبب)، لعبت دور مركز الجاذبية للإحساس بالموسيقى. خذ من القلم رأس الخيط هذا: بحر الرجز يلعب دوراً موسيقياً يفوق قيمته في الشعر. حين يقال قال الراجز، فالإشارة غنائية، لأنها ليست في مستوى قال الشاعر.
لزوم ما يلزم: النتيجة الانتظارية: خدمة ذوقية لأدمغة الأطفال، البحث عن الأشعار المناسبة لغة ومضموناً لسنهم، وإدماجها في التعليم الابتدائي.

جريدة الخليج