«كل ده كان ليه»؟

حسن مدن

أول ما استوقفني في المقابلة التي أجرتها المذيعة في قناة «فرانس 24» بالعربية، ليانا صالح، مع الفنانة والكاتبة المصرية فيروز كراوية، حول كتابها عن تطوّر وتحولات الأغنية في مصر، كان العنوان الذي اختارته المؤلفة لكتابها: «كل ده كان ليه». جذبني العنوان، وخلت لحظتها أن البعض قد يتساءل: كيف يمكن أن يكون عنوان كتاب بحثي مكتوب بالفصحى عامياً، ولكن شعوري هو أن حمولة الدلالة في هذا العنوان أقوى مما ستكون عليه لو أنها اختارت أي عنوان آخر بالفصحى؛ فهو من جهة يحمل السؤال الاستفهامي الكبير الذي أرادت المؤلفة أن تجيب عنه في الكتاب، وهو ما تناولته هي في المقابلة القصيرة المدة على «فرانس 24»، كما أن «كل ده كان ليه» هو عنوان أغنية شهيرة، من منا لا يعرفها؟

الأغنية من كلمات الشاعر مأمون الشناوي، ويقال إن الموسيقار محمد عبد الوهاب ملحنها قدّمها إلى الفنانة نجاة الصغيرة بعد أن اشترى حقوقها من كاتب كلماتها، لتغنيها في أول لحن تغنيه من ألحانه، فيما وُصف بأنه «عربون بداية»، وبالفعل سجلت نجاة الأغنية بصوتها للإذاعة المصرية، كما سافرت إلى سوريا وسجلتها لإذاعة دمشق، لكن عبد الوهاب غنى الأغنية في حفل غنائي أقيم في 30 ديسمبر/ كانون أول عام 1953 على مسرح نادي الفرسان حضره الرئيس جمال عبد الناصر، ضمن مجموعة من الأغنيات الوطنية والعاطفية، ويقال إن نجاة اعترضت يومها، لكن من بوسعه إقناع شخص مثل عبد الوهاب بألا يفعل ذلك، حتى إني قرأت مرة أن السيدة أم كلثوم في بداية تعاونها معه طلبت منه أن يقسم على القرآن الكريم ألا يغني بصوته أي أغنية يلحنها لها.

للأسف لم يتيسر لي اقتناء وقراءة كتاب فيروز كرواية، وهذا ما سأفعله في أقرب فرصة، لكن ما سمعته على لسانها في المقابلة، وما تيسر لي قراءته مما كُتب حوله بعد صدوره يشي بأننا بصدد كتاب مهم يبحث في تطوّر الأغنية في مصر منذ القرن التاسع عشر حتى اليوم، حيث صنفت المؤلفة كتابها في خانة «الدراسات الثقافية»؛ لأنها لم تكن تتوخى، وهي المغنية والفنانة أيضاً، تقديم قراءة تقنية في مسار الأغاني المصرية من وجهة نظر فنية محضة، وإنما كانت غايتها ردّ تحوّلات وتحوّرات الأغنية المصرية إلى سياقها التاريخي، بتتبع المراحل السياسية المختلفة التي مرت بها مصر خلال نحو قرنين، وما تركته كل مرحلة من تأثيرات لا في الذائقة وحدها، وإنما في بنية الأغنية ذاتها، واقفة عند أبرز الأسماء والمواهب التي تركت البصمة الكبرى في هذا التطور.
«كل ده كان ليه»؟

جريدة الخليج