صلاح فضل.. غياب وجه أخر – بقلم عبد الحميد أحمد

عبد الحميد أحمد

مع رحيل صلاح فضل تفقد الثقافة العربية واحداً من وجوه النقد اللامعة، فهو من الذين تركوا بصمات واضحة في مسيرة الثقافة العربية خلال النصف الثاني من القرن الماضي وصولاً إلى يومنا الحالي، فهو من جيل الثراء المعرفي أمثال جابر عصفور ورجاء النقاش ومحمود أمين العالم وإحسان عباس وجورج طرابيشي ومحمد دكروب وغيرهم ممن أعطوا للثقافة العربية بريقها وتوهجها. ونخشى مع رحيل هؤلاء ان يضربنا الجفاف النقدي والتصحر الثقافي، فقد كانوا رحمهم الله خير من يبحث ويحرث وينبت الدراسات والبحوث النقدية التي تعلل وتفسر وتشرح وتضيف الى معارفنا الادبية الكثير.

صلاح فضل يتسلم درع جائزة العويس من الدكتور أنور قرقاش

 

لقد امتاز صلاح فضل ـ علاوة على كونه ناقداً ـ بمعارفه الفنية والثقافية المتنوعة وبمشاركته في المنتديات والمؤتمرات العلمية والادبية وبحضوره الشفيف الهادئ والعميق ما أكسبه صفات شخصية حميدة كطيب الأخلاق والهدوء، وكأنه البحر في احشائه الدر.

صلاح فضل يتوسط الفائزين بجائزة العويس ومجلس الأمناء

 

وقد سعدنا في مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية أن يكون الراحل واحداً من العمالقة الذين شُرفت الجائزة بفوزه في حقل الدراسات الادبية والنقدية، حيث هو رائد في تطوير حقل الدراسات الأدبية والنقد، وجهوده واضحة في إثراء النقد العربي على المستويين النظري والتطبيقي، فقد كان له الفضل في تبني الحداثة النقدية، واضعاً إحدى اللبنات الأولى لتطبيق منهج النقد البنيوي، والتعريف بأسسه المعرفية وإشكالاته التطبيقية في العالم العربي.

وكانت سعادتنا كبيرة أيضاً ونحن نقرأ تصريحاته بعد فوزه بالجائزة: (جائزة العويس أول جائزة عربية كبرى تؤسس مصداقيتها على أساس الحياد والموضوعية والبعد عن أي نزاعات أيديولوجية تعادي التيارات الفكرية أو الحداثية في الوطن العربي فقدمت بذلك نموذجًا رائعاً للجوائز من الإمارات العربية المتحدة، إن حصولي على الجائزة مع كمال أبو ديب، يعني أن حكام جائزة العويس يلتفتون إلى الرواد الأوائل الذين جددوا شباب النقد العربي، ويذكرون لهم هذه البدايات التي امتدت بعد ذلك في إنجاز طويل قطعناه عبر العقود الماضية).

صلاح فضل بوشاح الإمارات خلال تكريمه بجائزة العويس

 

نعم لقد جدد صلاح فضل شباب النقد العربي، وعبر عشرات الكتب تطرق إلى مسائل نقدية مختلفة وعالج الكثير من النظريات وبشّر ببعضها، فضلاً عن مئات المقالات النقدية التي نشرها في عشرات المجلات والدوريات الثقافية العربية، وكان صاحب آراء جريئة تقرأ المجتمع بعين النسر لأنها ترى المستقبل بالعين الأخرى، لنتأمل هذه المقولة: (نحن نغذي التطرف كل يوم بمناهضتنا للحرية وفقدان بوصلة المستقبل وتغليب الخرافة على العلم وإهمال تيارات الإنتاج المعرفي الحقيقي).

انها الحقيقة التي دافع عنها صلاح فضل عبر كتبه لأكثر من نصف قرن مؤسساً لوعي نقدي جديد باحثاً عن سياق حضاري لاستثمار المعرفة وتأسيس أجيال صديقة للمعرفة لأنها تشربتها في الجامعات والمدارس، وانفرد صلاح فضل بمحاولاته الباكرة جدا في سبعينيات القرن الماضي بالتعريف بالمناهج والتيارات النقدية التي أفرد لكل منها مؤلفا مرجعيا، أبرزها كتبه عن البنيوية والأسلوبية والسيميولوجيا وتحليل الخطاب وعلم النص.. إلخ) والتي عمل على تطبيقها على عشرات النصوص الإبداعية في الشعر والرواية والقصة والمسرحية.

مع غياب صلاح فضل، يمكن القول إن جيلا كاملا من كبار الأساتذة والنقاد الموسوعيين المؤثرين في عالمنا العربي، يرحلون في وقت نحن أحوج ما نكون فيه لمتنورين يشعلون شموع التنوير ويقودون الجيل في درب المعرفة، وهاجسهم نقل المجتمع من عالم الخرافات والأوهام إلى عالم النور، ولعل ما تركه صلاح فضل من إرث ثقافي كبير سيكون عزاؤنا ونحن نعيد قراءة فكره وفلسفته ولا نبدي اعجابنا فحسب، بل نتمثل تلك الأفكار والنظريات ونطبقها على حياتنا في كل ميدان عمل، وكل حقل معرفة.

المصدر : “ملحق أخبار الأدب”

*الأمين العام لمؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية

ورئيس تحرير صحيفة (غلف نيوز)

صلاح فضل.. غياب وجه أخر – بقلم عبد الحميد أحمد