جمبرية في حلق الرئيس – بقلم إنعام كجه جي

إنعام_كجه_كي

دخل الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو المستشفى فشمتت به الفرنسيات. ويحدث في العلاقات الدولية أن تكون مصائب قوم عند قوم مساخر.
الحكاية، أن الرئيس الذي لديه من الخصوم ما يعادل ما له من أنصار، أصيب قبل أيام بألم في البطن ونقلوه إلى أحد مشافي ساو باولو. وقال طبيبه الخاص إنه خضع للفحص لتحديد ما إذا كانت حالته الصحية تستدعي تدخلاً جراحياً. وبعد ذلك أعلن أن الرئيس عانى من انسداد معوي ذي علاقة بحادثة الطعن التي تعرض لها قبل ثلاث سنوات، أثناء حملته الانتخابية.
بعد يومين تعافى بولسونارو وعاد إلى ممارسة مهماته. لكن خبراً غريباً خرج من إدارة المشفى الذي عولج فيه الرئيس، وهو أن الأزمة الصحية سببها قطعة جمبري لم تُمضغ جيداً، وبالتالي لم تُهضم كما يجب.
والجمبري، حسب التسمية المصرية، كائن لذيذ من ثمار البحر. يُسمّى الروبيان عند الخليجيين، والقريدس عند الشوام. تختلف أنواعه وأحجامه وألوانه وبناء عليها تتحدد أسعاره. فما حجم الجمبرية، أو الروبيانة، أو القريدسة التي انحشرت في أمعاء الرئيس البرازيلي؟ نشر موقع إخباري سياسي توضيح المستشفى فانتهز خصومه الفرصة. امتلأت مواقع التواصل بالسخرية والتعليقات الفكاهية. والفكاهة في السياسة مثل الفاكهة على المائدة، مداعبة ضرورية تساهم في تلطيف الأجواء وهضم الطعام. لكن يمكن لها، أيضاً، أن تخمّش وتجرح وتهين وتنتقم.
تداول معلقون رسماً كاريكاتيرياً جاء فيه أنها جمبرية فاشية. وهي من فلول اليسار وعدوّة للديمقراطية. وتم تحوير شعار من حقبة السبعينات يقول: «كن هامشياً… كن بطلاً» إلى «كن جمبرية… كن بطلاً». ثم توالت النكات بحيث تفرغت خبيرة استراتيجية فرنسية لجمعها وعكفت على تحليل مضمونها. وهي قد لاحظت أن عدداً من الساخرين ربطوا بين وعكة بولسونارو وبين اسم خصمه الرئيس السابق لويس إيناسو لولا دا سيلفا، وبالمختصر «لُولا». ذلك أن لولا في لغة البلاد تعني الحبّار، وهو مثل الجمبري من المأكولات البحرية. وغرّد نائب من حزب لولا العمالي، مندداً بشراهة الرئيس الذي التهم كميات من الجمبري كافية لسدّ الأمعاء.
واللقمة، أي لقمة، قد تسري هنيئاً أو قد يعسر هضمها. ويبدو أن لولا سيبقى شوكة في حلق بولسونارو. وهناك توقعات بعودته ليحكم أكثر من 200 مليون مواطن في أكبر دولة من دول جنوب أميركا. إنه مرشح الجياع، حسب ما تروّج له الدعاية الانتخابية، في مواجهة مرشح المتخمين. فقد تمتّع بولسونارو بإجازة لثلاثة أسابيع في منتجع بحري احتفالاً مع عائلته بالعيد ورأس السنة. ومن حق الرئيس أن يرتاح ويتريّض، لكن خصومه أخذوا عليه أنه لم يقطع عطلته ليتفقد منطقة الفيضان الذي راح ضحيته 20 شخصاً وإجلاء 63 ألف مواطن. هذا عدا أنه ما زال يقلل من خطورة الجائحة التي تسببت في وفاة 620 ألف برازيلي.
ما علاقة كل هذا بالفرنسيات؟ نقلت صحف باريس خبر وعكة بولسونارو فعاد إلى الذاكرة الموقف الذي تعرّض فيه للرئيس ماكرون بشكل يفتقد إلى اللياقة بين رئيسين حليفين. وكان أحد المدونين قد نشر صورة لزوجة بولسونارو الشابة وبجانبها صورة لبريجيت ماكرون، الأقل شباباً، وكتب أن هذا هو السبب الذي يجعل الرئيس الفرنسي ناقماً على الرئيس البرازيلي. وعلّق بولسونارو: «هههه… لا تذلوا هذا الرجل».
هفوة أم بجاحة؟ أثار التعليق حمية الفرنسيات ووجدن فيه تطاولاً ذكورياً على زوجة رئيسهن. كما انتقدته جمعيات نسائية في البرازيل. ولم يسكت ماكرون ونشر تغريدة جاء فيها أن بولسونارو وقح للغاية. وقال في مؤتمر صحافي إن البرازيليين يستحقون رئيساً أفضل.
أفضل ممن؟ من الرجل الذي أذلّته جمبرية!

جريدة الشرق الاوسط