جابر عصفور والترجمة – بقلم حسن مدن

حسن مدن

وجابر عصفور الذي أتى في زمن الردة على تراث التنوير العربي، رأى في تبني مشروع قومي للترجمة منطلقاً من منطلقات المشروع الذي رعاه وسهر على تنفيذه من المواقع المختلفة، حتى أنه اختار لأحد كتبه الذي حوى مجموعة من المقالات والدراسات عنوان: «الترجمة قاطرة التقدّم»، وهو قول تؤكده التجربة الملموسة للثقافة العربية الحديثة وروادها في مصر وفي العالم العربي عامة.

حسبنا هنا أن نشير إلى ما قام به رائد التنوير الأكبر في تاريخ مصر رفاعة رافع الطهطاوي الذي أسس مدرسة الألسن، واضعاً بذلك أولى لبنات تدريس الطلبة اللغات الأجنبية كي يتمكنوا منها ويصبح في وسعهم الترجمة عنها إلى العربية. وعند موضوع الترجمة هذا وقف طه حسين في كتابه «مستقبل الثقافة في مصر»، وهذا ما أراده جابر عصفور من تأسيس المركز القومي للترجمة، الذي ترجم ونشر آلاف الكتب من كافة لغات العالم المهمة.

إلى جابر عصفور يعود فضل كبير في كسر تقليد التبعية للمركزية الأوروبية في الثقافة، حيث عمل على ألا تبقى الترجمة إلى العربية محصورة من اللغتين الفرنسية والإنجليزية كما كان شائعاً، بل إنه في العلاقة مع الثقافة الأوروبية شجع على تبني الترجمة من لغات أوروبية أخرى غير هاتين اللغتين، فضلاً عن الانفتاح على آداب وثقافات الصين واليابان والهند، إضافة إلى الأدب الروسي.

في الجلسة المخصصة لموضوع الترجمة في الندوة التكريمية والاحتفالية بعنوان «جابر عصفور.. الإنجاز والتنوير» التي أتينا على ذكرها أمس، والتي جرى فيها تناول ما أزجاه الراحل من خدمات لخطط الترجمة من موقعه كرئيس للمجلس الأعلى للثقافة في مصر وللمشروع القومي للترجمة، جرت الإشارة إلى مقولة لليابانيين فحواها: «حين يصدر كتاب مهم في العالم يجب أن يُقرأ باللغة اليابانية»، ولتحقيق ذلك كان يتعين على الدولة هناك أن تتبنى خططاً طموحة لمتابعة كل ما هو جديد في دنيا الفكر والأدب في العالم ثم الشروع في ترجمته إلى لغة البلد القومية.

على مشروع عربي مثل هذا عمل طه حسين، وحسب شهادات قُدمت في تلك الندوة من مترجمين عرب مرموقين ومقتدرين من مختلف لغات العالم، فإن جابر عصفور كان يخوّل كل واحد، أو واحدة، منهم بمتابعة وترجمة الجديد والمهم باللغة التي يتقنها.

جريدة الخليج

العويس الثقافية

اصدارات العويس