تجليات الصداقة – بقلم حارب الظاهري

hareb

زمن يمضي تجلياً في بعده الجميل، يعيد صداقة تجدها فرحاً أو سحراً، أو ملاذاً زمنياً، وكأن الزمن يقضي بما يطمن القلب على الحياة في أبعادها الحميمية، لترتسم الصداقة كالروح وتحضر وتتسع بذكريات جميلة، ولربما كانت يوماً ما قاسية وصعبة، على أعمار لا تتعدى بداية العشرينيات. ولربما حين تركنا الغربة خلفنا كأصدقاء، ومضينا لنفتعل حياة عملية وأكثر عائلية، ولم يخطر ببالنا بأن الحميمية تكبر والزمن لا يخفق بعيداً، وعلى الرغم من أن عشرات السنوات قد مضت، إلا أننا نلوذ بالزمن نحو مدن جمعتنا بأصدقاء في جامعات، كورفالس وتاكوما وما بين ولايتين أروجن، وواشنطن، ولا زلنا نلتقي على حميميتنا المعتادة، ويكفي من سرب الأصدقاء صديق لم يظهر بيننا لسنوات.
لم أتردد في البحث أقصاه، وكأن حسابات التواصل المجتمعي لا تخفي خافية، إلا صديقنا يظهر في حسابات محددة وللحظات قليلة، ويغيب لسنوات، تجربة البحث كانت مريرة، امتدت نحو أصدقاء الخبر والدمام، إلا أن المدن تتسع، وقلما يجدي البحث البدائي، والحياة دائماً تبتكر لنفسها صورها الزمنية، لكني لم أخفق في التواصل وتركت له رسائل في حساباته المغلقة.

هذه هي قصة حقيقية، إلا أنها تشبه مقاطع من أفلام قديمة لربما الأبيض والأسود منها.

تجسدت بالفعل، فقبل ثوان من إقلاع رحلتي إلى بوسطن الأسبوع الماضي، وترى هاجس الجائحة يشعر المسافرين باليقظة والترقب، ويشعرهم بالبحث عن الحرية المطلقة وعن دوران الحياة بسحرها الجميل، وبينما هاتفي لا زال ينبض بالرسائل، وإذ برسالة إضافة إلى حسابي في «توتير»، تأتي على ومض وتحديداً باسم الذي أبحث عنه منذ سنوات.
كان آمر الطائرة يحث المسافرين على إغلاق الهواتف، ونظرات المضيفة حادة وجميلة في الوقت نفسه، وأنا على تواصل حثيث مع الصديق حامد، قلت له: «اترك رقم هاتفك بالسرعة الممكنة فالطائرة لا يمكنها أن تنتظر لنتحدث عن زمن مضى ولا يمكن لمشاعرنا إلا أن تتأجل لساعات طوال أقصاها يوم آخر».
قبضنا على خيط التواصل الممكن وفتحنا نافذة على حياة الأصدقاء من جديد، كانت سنوات تائهة ضمن نطاق الغياب الصعب هكذا أرواح الأصدقاء لا بد من اللقاء وإعادة الصور من جديد صور اللحظات والمناسبات التي كانت في طي النسيان.
ملاذ الحياة دائماً في حضورها البهي وقيمتها في تكوينها الأصح وهذا ما يجسده جيل أوفياء النزعة جيل يتناغم مع ثقافة مختلفة، وهذا ما تجسده الحياة ما بين أجيال مختلفة كل له حياة وتطلع مختلف نحو الحياة فما يحدث الآن من علاقات مجتمعية شبه عابرة لا رصيد لها من الواقع ولا لها طعم أو خصوصية الماضي.

جريدة الاتحاد