الموسيقى العربية في يومها – بقلم د. حسن مدن

حسن مدن

يحتفل أهل الموسيقى ومحبوها في العالم العربي اليوم، الثامن والعشرين من مارس/ آذار بيوم الموسيقى العربية، الذي اختير بمبادرة من المجمع العربي للموسيقى، لأنه يصادف اليوم الذي انعقد فيه أول مؤتمر للموسيقى العربية في القاهرة عام 1932، وحضره، يومها، أبرز الموسيقيين وكبار علماء الموسيقى في العالم العربي.

شهد ذلك المؤتمر مناقشات ثرية حول تاريخ موسيقانا العربية ونظرياتها وآلاتها وإيقاعاتها ومقاماتها وأبرز وجوهها عبر التاريخ، خاصة في فترات ازدهار هذه الموسيقى ورقيها. لكن اعتماد يوم للاحتفال بالموسيقى العربية فكرة جديدة، تعود إلى العام 2019 فقط، حين وافق مجلس جامعة الدول العربية على اقتراح المجمع الموسيقي العربي بهذا الخصوص.

أن تأتي الأمور متأخرة خير من ألا تأتي أبداً، فجميل أن يكون لموسيقانا يوم في السنة، يقف فيه أهلها ومحبوها أمام واقعها، وينظمون احتفاليات تشمل تقديم أعمال من تراثنا القديم والحديث على حدٍ سواء، بروافدها المختلفة، المشرقية والمغاربية، الأندلسية، السودانية والإفريقية عامة، وموسيقى اليمن والخليج والجزيرة العربية عامة، وأن تشمل تلك الاحتفاليات، أيضاً، مناقشات حول سبل النهوض بهذه الموسيقى، التي لا يمكن القول إنها اليوم في أحسن أحوالها، بل إنها، على النقيض من ذلك، تواجه تحديات كبيرة تتطلب من المؤسسات التربوية والثقافية مجموعة وقفات جادة.

من هذه التحديات هذا الفيض الهائل من الأعمال الضعيفة والسطحية، والهابطة أيضاً في بعض الأحوال، تجعلنا نحنُّ إلى أزمنة ذهبية عرفناها في تاريخنا الموسيقي، وهناك تحدٍ آخر لا يقل خطورة، هو تعميم النظرة السلبية إلى الموسيقى، الذي يبلغ حدّ تحريمها، وإقصائها من الفضاءين التربوي والمجتمعي، باختلاق سرديات وأقوال ما أنزل الله بها من سلطان، لجعل الموسيقى أمراً منبوذاً، وازدراء أهلها، وفي النتيجة يعمّ التزمت والتطرف والكآبة والتجهم في الحياة والمجتمع، حين يغيب أو يُحيّد دور الموسيقى والفنون في تحضر المجتمع ورقي أهله، وترقيق أنفسهم وأرواحهم.
يصف جبران خليل جبران الموسيقى بأنها «لغة النفوس، والألحان نسيمات لطيفة تهز أوتار العواطف، هي أنامل رقيقة تطرق باب المشاعر وتنبه الذاكرة، هي نغمات رقيقة تستحضر على صفحات المخيلة ذكرى ساعات الأسى والحزن إذا كانت محزنة، أو ذكرى أوقات الصفاء والأفراح إذا كانت مفرحة».
لعلّ يوم الموسيقى العربي السنوي يكون مناسبة لتحفيز المؤسسات التربوية والثقافية في أن تولي «لغة النفوس» هذه ما هي أهل له من تقدير. نريد أن نرى مزيداً من المعاهد العليا للموسيقى، وأن تعود إلى مدارسنا دروس وجماعات الموسيقى الحاضنة للمواهب الواعدة.

جريدة الخليج