العربية.. ولغة الصحافة – بقلم يوسف أبو لوز

يوسف ابو لوز

اللغة العربية لغة الصحافة، وعلينا أن نضع أكثر من خط تحت هذه العلاقة العضوية الاستثنائية التي لا تتوفر لأية لغة في العالم إلاّ في العربية.

للغة الصحافة مُستوى مُعّين من التراكيب والبناء والجمل والبلاغة يختلف عن لغة الأدب، ولكن مهما دارت لغة الصحافة في أفلاك المعلومات والخبر والحكاية والقصة الخبرية وفن أو لغة المقال، ولغة التحليل والمتابعة وغيرها من فنون وأساسات الصحافة، تظل هذه اللغة، أي الصحافة مشدودة إلى حبل سرّتها الأول وهو لغة الأدب وكبار الصحفيين العرب يجري في أقلامهم حبر الأدب…

لا الإنجليزية، ولا الفرنسية، ولا الروسية، ولا الألمانية، ولا اليابانية موضعت لغة مهنية خاصّة بمهنة الصحافة مثلما موضعت اللغة العربية هذه المهنة التي تحتاج إلى دقة، ولياقة، وسرعة، ورشاقة أيضاً، وإذا كانت لغة الأدب لغة بطيئة إن جاز الوصف لكونها محكومة إلى التفكير والإبداع «المصنوع» والتأمل، فإن لغة الصحافة لغة سريعة محكومة إلى ثوابت معروفة في هذه المهنة الأقرب في روحها إلى روحها الكتابة بشكل عام.
احترمت اللغة العربية مهنة الصحافة، فأوجدت، لغة خاصة بها.. لغة لا تغرق في الأدب، وفي الوقت نفسه، لا تتخلّى كلياً عنه..
اللغة العربية لم تموضع لغة مستقلّة خاصّة بالصحافة فقط، بل، العربية هي لغة المهن، والحرف، وهي لغة الشارع، ولغة السوق، ولغة الحشود، ولغة الأعمال، ولكل لغة مستوى، وإيقاع، وصوت.
صوت اللغة العربية في الأماكن حين المهن والحرفيات والأعمال اليدوية والجسدية والعضلية يختلف من بيئة إلى أخرى، وهذه عبقرية أخرى تضاف إلى عبقريات لغتنا المتعددة الأصوات على الرغم من أن حروفها واحدة سواءً أكانت عربية فصحى أو عربية شعبية محكية لهجية.
مثلما موضعت اللغة العربية لغة مستقلة خاصة بالصحافة، ولم توجد هذه الخصيصة في أية لغة في العالم، كذلك، موضعت العربية لغة مستقلة خاصة بالمسرح، وأنت عندما تقرأ مسرحاً عربياً تشعر تلقائياً باختلاف لغة المسرح عن لغة الرواية، وتالياً، ثمة اختلاف في لغة الرواية عن لغة الشعر، وثمة اختلاف آخر في لغة الشعر عن لغة النقد الأدبي، ولغة الفكر.
على سبيل المثال لا الحصر… لغة الرواية هي لغة السرد أو لغة الحكي.. الاسترسال، والتداعي، والانثيال، والشرح، فيما لغة الشعر هي لغة التكثيف، والإيجاز، والومض، والإشارة..
لغة المسرح لغة حوار في العادة، ولغة النقد لغة تفكير وتحليل وتفكيك وتنظير…
اللغة العربية أكثر من لغة، وأكثر من أبجدية، وأكثر من صوت، وأكثر من إيقاع.

جريدة الخليج