واسيني الأعرج: رؤية محمد بن راشد تلهم «نوابغ العرب»

يحمل في صوته هدوءاً، وكأنك تقرأ إحدى رواياته التي تأخذك بتسلسل لقصة جميلة، كما تجد في شخصيته لطفاً وتقبلاً للآخر، مع ترحيب لكل معجب بكتاباته، الروائي الجزائري واسيني الأعرج، يتحدث بفخر واعتداد عن الجوائز الأدبية والثقافية في الإمارات، التي باتت منصة رافعة هامة للمشهد الثقافي، مشيراً في حواره مع «البيان»، إلى أن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، يلهم برؤيته المستقبلية جائزة «نوابغ العرب»، معبراً عن فخره الكبير بتكريمه، أخيراً، من قبل سموه، لفوزه بالجائزة عن فئة الأدب والفنون.

وأوضح واسيني الأعرج في سياق حديثه، أن أعماله الأخيرة تتعمق في الإضاءة على البعد الإنساني والخلاصات النقدية التي توصل إليها بالتواصل مع قراء نصه في المناسبات الثقافية ومعارض الكتب، مؤكداً أهمية الموضوعات الثقافية والحضارية والإنسانية، حيث قال: «عندما تترجم روايتك إلى الفرنسية أو الألمانية أو الإيطالية وتذهب إلى نابولي أو مرسيليا، وتلتقي بقرائك من خلال الترجمة، ستجد نفس ردود الفعل، لأن التأثيرات ليست عربية، ولكن إنسانية، لذلك التأثيرات الأدبية مهمة في تمكين الكاتب في الدخول مع النفس في محاورة عميقة».

نوبل العربية

وبما يتعلق بحصوله على جائزة «نوابغ العرب»، ومدى تأثير هذه الجوائز في الأدب العربي والساحة الأدبية العربية، قال: «‏طبعاً الحصول على جائزة نوابغ العرب أمر مهم للغاية. وهذه الجوائز، وخصوصاً الجوائز الكبيرة بقيمتها، مثل «نوابغ العرب»، فهي تأتي بعد ثمرة جهد كبير قام به الإنسان، وبعد إنجازات كثيرة، وبعد تبيان قدراتك ككاتب على التجديد والإبداع والخلق.

إذن، عليك أن تمر بتجربة طويلة عريضة، حتى تستقر تجربتك، وتصبح مرئية ومشاهدة، وذلك يشبهه النص الأدبي، وقد مررت بحلقات وجوائز كثيرة، مثل «جائزة الشيخ زايد للكتاب»، وجائزة السلطان قابوس، وغيرها من الجوائز العربية، وهي مهمة، وغالباً ما تستند على منتج واحد، هو الرواية التي تنتج في تلك السنة، وتحاكي جائزة نوابغ العرب جائزة نوبل، ولكن تعطى للعرب فقط، وأنا سعيد أن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، أولى هذه المسألة عنايته، وأعطاها قيمتها، وجعل من هذه الجائزة حلماً بالنسبة للكتاب المبدعين والأطباء والمهندسين والعلماء، لأن الجائزة لها نفس نظام نوبل، فهي تعطى إلى 6 تخصصات.

مسيرة أدبية

وأكد الأعرج أن الجائزة تؤكد أن الإنسان في رحلته قطع شوطاً استطاع معه أن يعطي لوطنه ولعروبته أعمالا لا تنسى، ومثل هذه الجوائز تفتح أبواب النقاش وإعادة طباعة الأعمال والارتقاء إلى قراء جدد تجذبهم الجائزة.

وبالطبع، الكاتب لا يكتب للجوائز، ولكن لأنه يحتاج إلى الكتابة. لذا، فإن الكاتب بينما يسير في مضمار الكتابة، يصطدم أحياناً بأشياء جميلة، وهي الجوائز، وتجعله يتوقف ويسعد ويستمر بالكتابة.

وبالنسبة لي، كلما أشرع بالكتابة، أشعر بالرعب، وكأني لم أكتب أبداً في حياتي، وينتابني الخوف، الذي قد يكون مصدره الإحساس بالمسؤولية. وعند الحصول على جائزة مثل «نوابغ العرب»، تزداد مسؤولية الكاتب، فالخطأ غير مسموح، وأنا فخور بهذه الجائزة، وأتمنى أن ينالها غيري في السنوات القادمة.

الثقافة الإماراتية

ولفت الأعرج إلى أهمية الحراك الثقافي في الإمارات، وما تقدمه الدولة من تشجيع وتحفيز، وما تظهره من حرص على المواصلة والاستمرار في نشر المعرفة العربية وتعلمها، قائلاً: هناك حراك ثقافي عربي في دولة الإمارات، من خلال الحراك الإعلامي في الجرائد والمجلات والملاحق الثقافية، فهذا يفتح مجالات كثيرة للمحاضرات والإبداع والخلق، ثم الإعلام الحديث من وسائل الاتصال الاجتماعي، وهي متطورة على نحو خاص في الإمارات، وهي سباقة حتى نعيش عصرنا الذي نحن فيه، وقد سهلت المعرفة للجميع، إضافة إلى الجوائز التحفيزية، وهي كثيرة.

جوائز

وأضاف الأعرج: لم تكتفِ الإمارات فقط بالجوائز المحلية، ولكن بالعكس، فتحت أبواب جوائزها على المجال العربي واسعاً، فأسست حزمة راقية من الجوائز، مثل جائزة الشيخ زايد للكتاب، بدورها الرائد، الذي لعبته في الثقافة العربية، لا سيما أننا نلاحظ درجة التجرد والنزاهة في منح الجوائز، وهناك كذلك الجائزة العالمية للرواية العربية، وما لها من دور كبير في اكتشاف المواهب الشابة، وأضف إلى كل هذا الجائزة العظيمة «نوابغ العرب»، التي تحاكي جائزة نوبل، وهي مهمة، حيث تكافئ جهود 40 إلى 50 سنة من الكتابة والإبداع، ونقول هذا الحراك مفيد للإمارات، وأيضاً للعالم العربي، وهي تمثل طريقاً معبداً نحو المستقبل.

تقنيات

وفي سياق العملية الأدبية، قال الأعرج: نستطيع أن نتحدث عن تقنيات الكتابة وإنشاء النص، في الماضي كنا نكتب ونجلس ونبدأ في عالم من الخيال، لكن اليوم لا أكتب بهذه الطريقة، حيث ينشأ عندي الموضوع، ويبدأ يكبر شيئاً فشيئاً، وعندما يكبر تزداد مسؤوليتي تجاه هذا الموضوع، ثم أنتقل إلى المرحلة الثانية، وهي مرحلة البحث والتدقيق، ليس لأن الروايات هي رواية تاريخية، وتحاول أن تعيد إنتاج التاريخ، بالعكس هي تقف نقيض التاريخ المتداول، خصوصاً إذا كان هذا التاريخ مبنياً على مغالطات.

وحول ترجمات أعماله الأدبية، إلى نحو 20 لغة عالمية، رأى الأعرج أن هذه الترجمات لا تنقل أدبه ورواياته فقط، وإنما تنقل مفردات الثقافة العربية، وتسهم في إدخال الثقافة العربية إلى مساحات عالمية ثقافية ولغوية، مشدداً على أن الترجمة لا تقتصر على الجانب الفني، ولكنها عملية نقل ثقافة وحضارة وتصور وفكر.

‏وأبدى الأعرج أسفه على أن المجتمعات العربية لا تولي اهتماماً كافياً للترجمة، رغم أن قيمة هذا النوع من التواصل الحضاري بدت تتبدى خلال السنوات الأخيرة بوضوح.

تقاليد سردية

وفي سياق الحوار، تحدث الأعرج عن روايته «رمل الماية»، التي حاور فيها «ألف ليلة وليلة»، من خلال الليلة السابعة بعد الألف، مستنداً إلى هاجس استرداد التقاليد السردية الضائعة، وفهم نظمها الداخلية التي صنعت المخيلة العربية، لافتاً إلى أن هذه الرواية من الأعمال الأدبية الأساسية، وأنها عمل دخل لأول مرة بعمق وبقوة وإرادة في محاورة نص عالٍ من الناحية الأدبية والثقافية والتخيلية، لكن في الوقت نفسه، مع رؤية نقدية تجاه النص.

واسيني الأعرج: رؤية محمد بن راشد تلهم «نوابغ العرب»