القارئ المحترف عبدالغفار حسين

يوسف ابو لوز

نتحدث في الإمارات عن مارس/ آذار شهر القراءة، وعشرية القراءة، ومبادرات القراءة وآفاقها العربية والعالمية، ولكن قليلاً ما نشير إلى رجالات القراءة في الإمارات وأعلامها وروّادها، وهم جيل إماراتي مثقف، الكثير منهم جمع بين فن المال والأعمال، والعلم والأدب والتعليم، وهم رجال خلق ونبل، وانعكست هذه الأخلاقيات الرفيعة عند هؤلاء القوم، أصحاب المروءة والمعرفة في توجههم المبكر إلى دعم التعليم وتمويل المدارس من أموالهم ، مدفوعين أولاً بحب القراءة، والشغف بالبحث والدرس والتحقيق واقتناء أمهات الكتب والمراجع ذات الصلة بالتاريخ، والعلوم، والجغرافيا، والأنساب، والتراث المادي والمعنوي، والثقافة الشعبية التي هي الأصل في كل حضارة حيّة مستمرة .

من بين رجالات القراءة في الإمارات أتوقف عند رمز من أعلامها الأصلاء: الكاتب والباحث والمثقف الأديب عبد الغفار حسين، وتحديداً في كتابه أو في سِفره الجامع الشامل «كتب وكُتّاب» (الجزء الأول الواقع في 842 صفحة من القطع الكبير) الصادر عن مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية 2022.
عبد الغفار حسين رمز حيوي من رموز الكتابة والأدب والبحث في الإمارات، وهو، كما يقول في مقدمة كتابه التوثيقي الموسوعي هذا، ليس قارئاً عابراً، ولأنني أعرف الرجل، وكنت محظوظاً وما زلت بمتابعة كل ما يكتبه ويقرأه بخاصة في الثقافة الإماراتية، أقول بكل اطمئنان إن مادة عبد الغفار حسين المكتوبة والمقروءة هي نتاج عقل مختبري للقراءة، أي أن لديه وقتاً صافياً مخصصاً بكل هدوء للكتب التي يقرأها، أو يراجعها، أو يقدّمها لقرّاء الثقافة الإماراتية والعربية انطلاقاً من طبيعة شخصيته الأدبية، تلك الشخصية الاعتبارية في الإمارات وفي الخليج العربي التي تقوم على الاختيار الدقيق والموضوعي لما يقرأ أو يعتبره جديراً بوقت القراءة. أتحدث عن رجل قراءة، أو قارئ إماراتي له قناعة نقدية في ثقافة القراءة، وهو يقول في مقدمة كتابه: «إن ملاحظاتي وتعليقاتي عن الكتاب المقروء والمُراجَع نابعة من قناعة بتقييمي لما ورد في الكتاب من معلومة ورأي، إيجاباً كان هذا التقييم أو سلباً، رائدي في ذلك إيماني بأن النقد للعمل الفكري لا ينبغي خلطه بمسائل وآراء بحتة بين الكاتب صاحب الرأي وقراءاته بحيث يأتي النقد متناولاً مسائل وآراء خارج إطار العمل الفكري والثقافي».

نحن، إذاً، أمام عبد الغفار حسين الناقد التقييمي صاحب القناعات الثقافية، الباحث عن الرأي والمعلومة والموقف، بعيداً عن المؤثرات الشخصية، وهذه معاً تشكل قارئاً موضوعياً.

«كتب وكتّاب»، القراءات المختارة لعبد الغفار حسين، بمثابة مكتبة في كتاب يضم العشرات من العناوين، ويشكل الكتاب تاريخاً للرجل ووقته واختياراته، لنجد أنفسنا أمام قارئ يومي يعيش بين الكتب، بل يعيشها ويعيش أفكارها وشخصياتها ولغتها البلاغية والأدبية والجمالية.
أكتب عن الأستاذ القارئ عبد الغفار حسين ضمن معطيات بيئة قارئة جعلت من الإمارات دولة ثقافة ووطناً للمعرفة والمدنية والجمال.