مهارات قد لا تفيد أحداً

ناصر_الظاهري

نعدُّ المهارات التي كنا نتقنها في صغرنا وشبابنا، والتي لم نكن نعرف أنها قد لا تفيد أحداً، ولا تخدم قضية، ولا تسعف ناشداً للمعرفة، هذه المهارات قد لا يعرف عنها الناس، وقد تكون مشهوراً بها بينهم، فهل كانت جزءاً من هوايات وشغف؟ أم هي مهارة تتطلب مراساً ومواظبة؟ المهم وقتها كنا سعداء وفرحين بتلك المهارات التي قد لا تفيد أحداً، لكنها تعطينا ميزة أن نبزّ الآخرين، وتعطينا ذلك التميز والتفرد بينهم.
– في صغري كنت شغوفاً بحفظ أسماء وزراء الخارجية في معظم دول العالم التي كانت ضمن دائرة الضوء والصراعات، وأيام وزراء الخارجية الكبار، «كيسنجر واندريه غروميكو، وإليك دوغلاس هيوم، وآلان جوبيه.. وغيرهم»، الآن.. أسأل نفسي ما فائدة تلك المعرفة؟ ولماذا أخذت حيزاً في الذاكرة بقيت حتى اليوم؟
– في صغرنا كان لدينا مدرب في المدارس العسكرية، اسمه «سلطان الكعبي» الله يديم عليه الصحة، لكن غلب عليه لقب «السينير» وهي لفظة إنجليزية عسكرية في الأساس تعني الأكبر أو المتقدم في الأقدمية العسكرية، والسبب ليس ذاك، السبب أنه كان يحفظ الأرقام العسكرية لمعظم المنتسبين في القيادة العامة، أفراداً وضباطاً وقادة، وطلاب مدرسة الثقافة العسكرية، فقط اسأله، وسيضرب كفه اليمنى براحة يده اليسرى، وسيقول لك الرقم دون تذكر أو تلعثم، اليوم.. حين ألقاه أول شيء يقوله رقمي وبالإنجليزيّة كما اعتاد، «34387»!
– كان لي زميل مدرسة، وزمان كنا لا نعرف التنمر أو التوحد، ونعتبرها كلها سوالف وضحك طلاب مدرسة، هذا الزميل أحاول الآن تذكر اسمه الأول، فيغيب، فقط اسمه العائلي حاضر، كل ذلك لأننا نزحم صندوق الذكريات، ولا نرحم الذاكرة، هذا الزميل كان يعرف كل كلمة إنجليزية معناها بالعربي، يعني كان أشبه بقاموس، هو لا يتعمد ذلك، لكن الكلمات تلتصق به، وتبقى في قاع ذاكرته، مشكلته أنه لم يكن يستطيع كتابة جملة إنجليزية صحيحة بتلك الكلمات المبعثرة، لكن حاول أن تسأله ما معنى الطحال بالإنجليزي أو ما معنى المصران الغليظ أو ماذا تسمى عقدة الحبل في السفينة أو ما اسم الإصبع البنصر بالإنجليزي، «والله ما بيتسلف لك»، جوابه حاضر على طرف لسانه، زميلي هذا كان يعرف أنواع المسامير و«البراغي» كلها بالإنجليزي!
– من بين الزملاء من كان حافظاً أرقام لاعبي كرة القدم، يعني «كرويف» الهولندي يعرف رقم فانيلته، «لاتو» اللاعب البولندي يميز فانيلته من بين اللاعبين، «خوانيتو» الجناح الإسباني، رقمه لا يمكن أن ينساه، «بريغل» الألماني الذي من كثر عرض ظهره لا يمكن أن تميز رقمه، صاحبنا الرقم في مخباه، لاعب المنتخب الأرجنتيني، «عمر ميشيل لاروسا» والذي بقي طويلاً لاعب احتياط، كان يعرف رقم الفانيلة التي سيلعب بها إذا ما نزله المدرب آخر ربع ساعة من المباراة، زميلي هذا كان أكثر شيء يضايقه في الحياة أن يغير اللاعب رقم فانيلته الأساسية إن لعب لفريقه أو انتقل لفريق آخر أو لعب لمنتخبه الوطني.

مهارات قد لا تفيد أحداً
جريدة الاتحاد