إدريس وصنع الله

حسن مدن

في حديثنا الدارج قد يقول أحد الوالدين لابنه، إن أراد نهيه عن أمر: «إن فعلت هذا سأريك صنع الله فيك»، في تلميح لما سيقع على الابن من عقاب إن خالف ما حُذّر منه. ويمكن أن تقال العبارة نفسها بين خصمين اختلفا على أمرٍ، فيهدد أحدهما الآخر بالعبارة ذاتها: «سأريك صنع الله فيك».

لا تحسبوا، انطلاقاً من القول أعلاه، أننا بصدد بسط هذا التعبير وأصله وفصله، فما من إدريس بعينه أردنا القول إن الله صنع به ما صنع؛ لأن تهديداً أتاه من أحد، فإدريس المقصود هو القاص والروائي والكاتب المصري يوسف إدريس، أما صنع الله فهو مواطنه، الأديب أيضاً، صنع الله إبراهيم، والمناسبة مقال كتبه الثاني عن الأول. وما يكتبه أديب عن أديب مجايل له، باعث دائماً على الفضول والتشويق، خاصة إذا خرج من دائرة المديح الذي قد لا يخلو من مجاملة، إن جمعت بين الاثنين صداقة أو مودّة.

المقال نشر قبل نحو عشرة أعوام، بالضبط في العام 2014، أي بعد مرور سنوات على وفاة يوسف إدريس في العام 1991، وفيه وصف صنع الله زميله ب «العبقري العارم»، قائلاً، إن قلّة فقط من الأدباء العرب يمكن وصفهم بالعباقرة، واللافت أنه استثنى نجيب محفوظ منهم، «رغم أن الكثير من المشتركات تجمع بين الاثنين»، لكن رغم إطلاق صنع الله هذا الوصف على إدريس، فإنه لا يرى أنه تميّز ككاتب للرواية. «الإنجاز الكبير ليوسف إدريس ليس في الرواية ولا في المسرح، وإنما في القصة القصيرة»، ففي هذه الأخيرة تجلى ما كان يبحث عنه في الإيجاز أو «الكثافة اللغوية»، وهذه، برأي صنع الله، وهو محق في رأيه، «الخصوصية العظمى للقصة وخاصة مع تشيخوف».

ونعلم جميعاً أنه كثيراً ما وصف إدريس ب «تشيخوف مصر»، وكان هذا يثير حفيظته؛ لأنه رأى فيه تقليلاً من إبداعه، حين ينظر إلى هذا الأدب كمجرد محاكاة لقصص تشيخوف، والحق أنه لا توجد لأي أديب كبير نسخ أخرى، فالكاتب إما أن يكون مبدعاً أو لا يكون.

في مقاله أشار صنع الله إلى أن يوسف إدريس كان «يزعم» أنه يكتب بحثاً عن السعادة له وللآخرين، ولا شك أنه حقق بالفعل سعادة للآخرين، «لكني لا أظن أنه حقق السعادة لنفسه، التي كانت أكبر من أن تحصل عليها، في الظروف التي عاشها».

ويستشهد صنع الله بموقفين «يفضحان هذا، فإذا استيقظ صباحاً ولم يجد خبراً عنه في الصحف دخل في حالة اكتئاب، والثاني هو إصراره على الحصول على جائزة صدام حسين كاملة وليس مناصفة».

إدريس وصنع الله

جريدة الخليج