قهوة وبهجة

حسن مدن

إلى شاعر، يقال إنه حجازي، ينسب بيت شعري يقول: «إذا ضاق صدري وساءت ظنوني/ فنجان قهوتنا يردّ السكونِ»، وأنشد عمر بن محمد السقاف حينما أقبل عليه الساقي بالقهوة: «قد أقبلت وسوادها يتوقد/ ومن العجائب أن يضيء الأسود/ وبسوادها ابيضت قلوب أولي النهى/ بسوادها ساد السواد ويُحمد»، ومن الشعر النبطي يطالعنا بيت قائل: «يا راعي الفنجال صفّه ودلّه/ خلِّ المزاج اليوم يرقى محله»، في إشارة إلى فنجان القهوة، التي ترقى بالمزاج.

وشرب القهوة مزاج، أبلغ من عبّر عنه محمود درويش: «القهوة لا تُشرب على عجل، القهوة أخت الوقت، تُحْتَسى على مهل..القهوة صوت المذاق، صوت الرائحة، القهوة تأمُّل وتغلغل في النفس وفي الذكريات».
ليس العرب وحدهم من برع في مديح القهوة. إلى كتّاب أجانب كُثر، تنسب أقوال تظهر ما تتركه القهوة في النفوس من نشاطٍ ومن بهجة أيضاً. الفرنسي بلزاك الذي يقال إنه كان مدمناً على شرب القهوة كتب: «القهوة تحرّك الدم في عروقي، وتوقظ الفكر في رأسي»، وزعم الزاعمون أيضاً أن شاعر ألمانيا الشهير غوته قال: «القهوة تجعلني أتحوّل من مخلوق كسول إلى كائن حيوي ينبض بالحياة»، وعبّر القول المنسوب إلى الشاعر الأمريكي/ البريطاني إليوت عن حضور القهوة في حياته: «لقد قستُ حياتي بملاعق القهوة». ولمرتادي المقاهي فإن «القهوة هي طريقة للاستمرار في الحديث عندما لا يكون هناك شيء مهم يُقال»، حسب الأمريكية غيرترود شتاين.
ليس الشعراء والكتّاب وحدهم من أثنى على القهوة وفوائدها، الشيء نفسه، أو ما يشابهه، قاله العلم. واضعو تقرير علمي حديث أوضحوا: «عندما تشرب القهوة، يحتاج الكافيين نحو 20 دقيقة ليبدأ مفعوله في جسمك. يمكنك أخذ قيلولة قصيرة تنهض منها مع بدء تأثير الكافيين، فتحصل على دفعة مزدوجة من الطاقة: الأولى من القيلولة التي خفضت مستوى تعبك، والثانية من القهوة التي بدأ تأثيرها المنشط».
وبوسع من هم على أبواب الشيخوخة، أو ولجوها، أن يسعدوا بما وصلت إليه دراسة أخرى أجريت في هولندا من أن شرب القهوة يقدّم لهم فائدة كبرى، لأنها تقلل من خطر الإصابة بالوهن وضعف العضلات، فيما تفيد نتائج دراسة ثالثة، أجريت في البرتغال هذه المرة، بأن شرب القهوة يومياً يساعد على حياة أطول، لتنشيطها الآليات البيولوجية التي تتباطأ مع تقدّم العمر.
القهوة، إذن، ليست «مفتاح النهار» وحده، كما قال درويش، إنها مفتاح البهجة والصحة أيضاً.