بين «القهوة» و«الكوفي شوب»

حسن مدن

ثمّة جيل جديد ينشأ اليوم في بلداننا، لم يألف قضاء الوقت في المقاهي القديمة، التي اعتدنا تسمية مفردها ب«القهوة»، وجمعها ب«القهاوي»، دون أن يعني ذلك أن القهوة هي المشروب الوحيد الذي تقدّمه تلك «القهاوي»، ففي بعض البلدان العربية (العراق وبلدان الخليج مثلاً) اقترنت شهرة «القهاوي» بتقديم الشاي أكثر من القهوة، تبعاً للثقافة السائدة حينها، وربما لا تزال مستمرة حتى اللحظة، حيث يعتبر الشاي المشروب المفضل، كما تقدّم هذه «القهاوي»، بالإضافة إلى الشاي والقهوة، المشروبات الغازية، وبعض الأكلات الشعبية أيضاً.

لم تنفصل ذاكرة «القهاوي» في المدن العربية المختلفة عن الذاكرة الشعبية والوطنية لأهالي تلك المدن والزائرين لها، فعلى مقاعدها وطاولاتها المتواضعة تجري النقاشات والحوارات، الصاخبة أحياناً، وتبادل الآراء في ما يجري حول الناس، وما يتصل بحياتهم اليومية، رغم أن هذه «القهاوي» تعدّ مهرباً يمنح الفرصة للتحرر، ولو لحين قصير، من أعباء هذه الحياة، رغبة في فسحة من الراحة صحبة الأصدقاء والمعارف، وما من بحث سوسيوثقافي في تاريخ المدن العربية يمكن أن يغفل عن أمر هذه «القهاوي»، باعتبارها أحد أروقة الذاكرة الجمعية في هذه المدن، التي كثيراً ما تكون هي نفسها عواصم بلدانها، كالقاهرة وبغداد ودمشق وبيروت وسواها، لو قصرنا الحديث على بلدان المشرق العربي.

وفي الكثير من الحالات ارتبطت ذاكرة هذه «القهاوي» بروّاد لها هم أنفسهم باتوا جزءاً من ذاكرة أهل هذه المدن أو البلدان التي تقع فيها. والمثل الأبرز والأكثر حضوراً في هذا السياق، حين نتحدث عن تاريخ المقاهي في بلداننا العربية، هو نجيب محفوظ، عاشق الجلوس في «القهوة» والوفي لها، والذي ارتبطت ساعات جلوسه اليومي في المقاهي بطقوس كُتب عنها الكثير من قبل معارفه وأصدقائه وشركائه في جلساته.

ولا نتحدث عن ارتباط هذه «القهاوي» بذاكرة المدن عبثاً. يمكن أن نعطي مثلاً ب«قهاوي» عريقة في مدينة عريقة مثل القاهرة، وننقل هنا عن الكاتبة الصحفية المصرية شيماء عبد الهادي، في مقال لها نُشر قبل نحو عشرين عاماً في أحد أعداد مجلة أحوال مصرية، أن نشأة قهوة الفيشاوي في خان الخليلي تعود إلى نحو 260 عاماً. الحديث يدور عن أكثر من قرنين ونصف القرن من الزمن، ولنا أن نتخيّل أي ذاكرة تختزن «قهوة» مثل هذه.
مع نشوء «المولات» التجارية والتسويقية في مختلف مدننا انتشرت ظاهر «الكوفي شوب» الحديث، الذي صرنا نعرفه بمسماه الإنجليزي، ومن النادر أن نسميه بالعربية: «مقهى»، ومع أن «الكوفي شوب» يستقطب روّاداً من مختلف الأجيال، لكن غالبيتهم من الأجيال الشابة، ضعيفة الارتباط بذاكرة «القهاوي» التي نعرفها نحن معشر المخضرمين.

بين «القهوة» و«الكوفي شوب»

جريدة الخليج