مقهى سارتر ونادله – بقلم حسن مدن

حسن مدن

في بلد أوروبي مهم مثل فرنسا وعاصمته باريس، تعدّ علاقة الفيلسوف الفرنسي ورفيقته سيمون دو بوفوار، بمقهى «لى دوماجو» في شارع سان جرمان، مثالاً جرى حوله أيضاً، الكثير من الحديث، وتناوله كل من كتبوا عن سيرة الاثنين، وبخاصة سيرة سارتر الذي يقال إنه كان يقصده كل يوم بدءاً من العاشرة صباحاً، وفيه كتب مؤلفه الشهير عن الوجودية، وإن كانت مصادر أخرى تشير إلى أن سارتر أحبّ أيضاً مقهى «فلور» القريب من «لى دوماجو».
لم يكن لسارتر أن ينجو من آثار هذه العلاقة الوثيقة بالمقهى، لا في روتين حياته اليومي فقط، وإنما في كتابته أيضاً، بما فيها كتابته الفلسفية، ونطالع نموذجاً على ذلك في كتاب عن العلاقة مع الغير، أو الآخر، أعدّه وترجمه محمد الهلالي وعزيز لزوق، صدر عن دار «توبقال» في المغرب، وحوى مجموعة من النصوص المنتقاة لمفكرين وفلاسفة مختلفين عن العلاقة مع الغير، وحوى في ما حوى، نصين أو ثلاثة لسارتر، حضر المقهى في أحدها بقوة.
اختار سارتر نادل المقهى مثالاً وهو يحكي عن الموضوع، مهتماً بمراقبة سلوك وهندام وطقوس النادل بشكل أخاذ، وشأن كل أديب معني برصد التفاصيل فعل سارتر ذلك وهو يصف النادل: «حركته حيوية وملحة، مبالغ في دقتها وسرعتها. يقبل على المستهلكين بخطوات حيوية جداً، ينحني بتعجل مبالغ فيه، يعبر صوته وعيناه عن اهتمام زائد عن اللزوم بطلب الزبون. ثم يعود مرة أخرى محاولاً أن يقلد في مشيته الصرامة الجامدة لمخلوق آلي، وهو يحمل طبقاً بنوع من التهور البهلواني، يُخلّ بتوازنه باستمرار ليستعيد استقراره بحركة خفيفة، اعتماداً على ذراعيه ويده».
لم تكن غاية سارتر وصف النادل لمجرد الوصف. لقد اختاره موضوعاً للتأمل، وهو يحث على الدعوة «للنظر إلى النادل من داخله بتواز مع النظر إليه من خارجه»، فلو فعلنا ذلك لن نجد أنفسنا أمام نادل مقهى فقط، وإنما أمام مجموعة حيوات في حياة واحدة.

جريدة الخليج