سواحل – بقلم ناصر الظاهري

ناصر_الظاهري

تشرق الشمس وأنت محاط بالبحر ولا شيء غير جزيرة يحتلها الطير وامتداد رملي وصخري ونتوءات من صخور تشبه منحنيات جبال صغيرة أو حتى امتداد ساحل طويل، لا حياة فيه غير أسراب الطيور والسلاحف التي تخرج من البحر لتضع بيضها ثم تعود إلى البحر، حياة مطمئنة لهذه الكائنات وأمكنة بديعة للذي يعشق الماء والهدوء والسكينة ومحطات جميلة وثمينة لصيادي الأسماك أو أولئك الذين يسعدهم أن يكونوا وحدهم مع البحر والفضاء المفتوح والطيور وحياة خاصة يصوغونها بأيديهم، كوخ صغير أمام البحر وشباك صيد وأدوات قليلة، زورق صغير وطعام قليل ومحدد لا يتجاوز الأرز والطحين وخزان ماء صغير، هذا ما يحتاجه أولئك المنعزلون في الجزر البعيدة، انشغالهم بالصيد وتجفيف ما يحصلون عليه من أسماك في مواسم يحتاجها البعض من سكان المدن والسواحل، جعل عاشقي هكذا حياة أفراداً قلة ظهروا في أزمنة كانت الحياة فيها صعبة والكد هو سيد الوجود، ولكنهم صنعوا من الظروف القاسية حياة جميلة ومبهجة وسعيدة، حيث إنهم ينشرون رايات الفرح والتوافق مع البيئة بروح المحب للحياة والانغماس فيها واتخاذ الجزر البعيدة عن الضجيج والكدر والصراعات من أجل أشياء كثيرة لا فائدة منها ولا تنتج غير منغصات.

أن تتخذ من الطيور أصدقاء ومن السلاحف جيراناً تحبها ولا تزعجها أثناء خروجها من البحر وعودتها سالمة بعد أن تضع لك البيض الذي يفرح الصيادين ويأخذون منه ما يكفي قوتهم وأيام سكنهم وإقامتهم في تلك الجزيرة النائية، وكذلك الطيور التي تهديك البيض الكثير، تأخذ ما تشاء وتترك الكثير ليخرج صغار الطيور وتكبر من دون أن تمسها بسوء، تلك الحياة القديمة كانت عجيبة في صورة تبادل المنفعة بين صياد يأتي بالأسماك الصغيرة ليهديها للطيور لتعيش وتتكاثر على جزر الأمان والسلام، بينما هي تهديه البيض وتغرد له حتى لا يشعر بالوحدة والضجر، وفي المساء تأتي زرافات لتمد النشيد الجميل حتى يخيم الظلام، ثم توقف الغناء لتنام في هدوء واطمئنان بأن لك جيراناً كثراً يحرسون جزيرتك ويؤنسون وحدتك، أنت محاط بأسراب كثيرة، حياة تنبض من قلب طائر أبيض جميل يلمع ويضيء في الليالي المقمرة، بالإضافة إلى حراس البحر من طيور اللوة السوداء التي تحتل الصخور وتندمج معها، هذا الطائر الذي يعشق البحر أيضاً يهديك الكثير من بيضه الكبير ليغذيك.

لست وحيداً على جزيرة يحيطها البحر من كل الجهات وإنما لديك حياة جميلة مع مخلوقات رائعة، بحر صاف كالزلال وأرض لا يسكنها غير الطبيعية.

قد يكون الحديث عن بيض الطيور والسلاحف، غير مفهوم عند الذين لا يعرفون حياة سكان السواحل والبحر في الإمارات وبعض دول الخليج العربي، ولكن للطيور البحرية والسلاحف أهمية كبيرة في الماضي، فهي تجمع كل شيء جميل ومحبب لسكان الساحل، طيور البحر كائن جميل جداً صديق للصياد والسكان الذين يحيط بهم البحر، به تزهو الحياة ويزيدها جمالاً بلونه الأبيض، وهو أيضاً دليل للصيد في بعض الأوقات، وهو الذي يمدك بالغذاء عند الحاجة حيث يؤكل لحمه والبعض يأكل بيضه وفراخه، بينما السلاحف فإنها قد تؤكل لتعوض نقص اللحوم، حيث يشبه لحمها لحم البقر، بينما بيضها يعد نادر الحصول عليه وإن حصلت عليه فإنه لذيذ جداً، ويكاد يشبه بيض الدجاج في لذته وطعمه، حياة الجزر حياة فريدة وجميلة لعشاق الطبيعة.

سواحل – بقلم ناصر الظاهري
جريدة الاتحاد

العويس الثقافية 

اصدارات العويس