أغاني الأصفهاني – بقلم عدلي صادق

1عدلي-صادق
سلخ أبوالفرج خمسين عاما في زمن الدولة العباسية، يكتب “الأغاني”، وكان معنيا بتسفيه حياة المسلمين في الدولة الأموية، وأن يجعل أيامهم مباذل ترف وفسوق، لا تُستثنى منها أيام الحج.

عُدت إلى بعض المراجع، لكي أتقصى الجوانب النفسية والاجتماعية، لاحتشاد الحجيج أثناء تأدية المناسك، لا سيما عند الوقوف بعرفة والطواف. وفي الكثير من المواضع، يحيلنا كل مرجع على هذا الصعيد، إلى العمل الضخم، والمُلغّم، لأبي الفرج الأصفهاني، الذي استزاد من جرعة التخفف عند وجهاء العرب، من ضوابط التقوى، ونقل أشعارا للعشاق والماجنين، الذين كانوا يعتمرون في ذي القعدة، ويبدأون مطارحاتهم الغرامية هناك، بعد الوصول بسرابيل الديباج، على ظهور النوق والنجائب المخَضّبة بالحنّاء!

سلخ أبوالفرج خمسين عاما في زمن الدولة العباسية، يكتب “الأغاني”، وكان معنيا بتسفيه حياة المسلمين في الدولة الأموية، وأن يجعل أيامهم مباذل ترف وفسوق، لا تُستثنى منها أيام الحج. وجعل مقاصد المسلمين من أداء الركن الخامس لدينهم، في زمن الأمويين، التشبب في المليحات أثناء الطواف ومزاحمتهن للرجال عند الحجر الأسود.

ويكتب أبوالفرج، أن والي مكة الأموي، سمع شاعرا يُنشدُ: يا حبذا الموسم من موقف وحبذا الكعبة من مسجد/ وحبذا اللاتي تُزاحِمْننا عند استلام الحجر الأسودِ/فقال الوالي للشاعر: إنهن لن يزاحمنك بعدها أبدا، وأمر بالتفريق بين الرجال والنساء في الطواف!

في السردية الضالة، يستعيد الأصفهاني بيت شعر لعمر بن أبي ربيعة، شاعر الغزل من قريش: ليت ذا الدهر كان حتما علينا/ كل يومين حُجة واعتمارا/ فيرد عليه ابن أبي عتيق، الذي اشتهر بخفة ظله، وهو ابن حفيد أبي بكر رضي الله عنه “لقد كلّفت المسلمين شططا”. فيجيبه بن أبي ربيعة “يا أبا محمد، إن في نفس الجَمَلِ شيءٌ غير ما في نفس سائقه!”.

لا يختلف قدامى المعلقين والمحققين، وحديثيهم، على سعة علم الأصفهاني وغزارته الأدبية وكثرة حفظه وجودة لسانه واتقاء الناس لسانه وهجائه، كما لا يختلفون على قذارته البدنية. ولم يختلفوا على أن كتابه الشاسع، لا يناسب إلا خيال وحياة مؤلفه، إذ فيه كل قبيح ومنكر.

وقال عنه ياقوت الحموي “كان وسخا لم يَغسل له ثوبا منذ فصّله إلى أن قَطّعه. بل إن جلساءه كانوا يصبرون على مجالسته ومؤاكلته ومشاربته وعلى كل صعب من أمره!”.

ذلك كله، يُفسر كون أوروبا في حقبتها الاستعمارية الجامحة، هي التي أدخلت في العام 1886 كتاب “الأغاني” على كبر حجمه وتعدد أجزائه، إلى المطبعة لكي يُنشر ويقرأه فقهاء مسلمي المستعمرات، وفي العام نفسه طبعه الخديوي توفيق في مطبعة بولاق، ثم مستشرقون أميركيون وفرنسيون أرادوا لنا مبكرا أن نكتفي من الحياة بالأغاني!